بقلم: مصطفى فحص – الحرة
الشرق اليوم- يخوض الجانبان الإيراني والأميركي جولة تطبيع المفاوضات النووية بينهما قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات الأساسية التي سيضعان عليها ملفاتهما وشروطهما، وفي المسار الفاصل ما بين التطبيع التفاوضي والتفاوض الأساسي تشهد العلاقة بينهما مرحلة شد وجذب ويتخللها تمرير رسائل تهدئة وأخرى خشنة، لكنها في النهاية جزءا من أدوات التفاوض التي إما بدأت عن طريق وسطاء أو أن هناك جهة ثالثة تقوم بتدوير الزوايا بينهما.
منذ توليها السلطة مررت الإدارة الأميركية الجديدة عدة إشارات إيجابية لطهران، بدأت من تعيين صديقها روب مالي مسؤولا عن ملف إيران في البيت الأبيض وصولا إلى تعيين الإيرانية الأميركية المثيرة للجدل آرين طباطبائي مستشارة للشؤون الإيرانية في وزارة الخارجية، وما بينهما تصريحات مسؤولين كبار من الإدارة تناولت موضوع الحوار مع طهران ولكن بلغة غامضة تحمل عدة أوجه للتفسير تشابه إلى حد بعيد الأسلوب الفارسي الإيراني الباطني في الكلام غير الواضح.
وفي هذا السياق كانت التغريدة التي نشرت على حساب وزارة الخارجية الأميركية يوم الإثنين الماضي أبرز إشارة أميركية رسمية عن استعداد واشنطن لفتح المجال الدبلوماسي مع طهران، حيث اختارت الخارجية أن تنقل ما قاله الرئيس جو بايدن عن السياسة الخارجية الأميركية باللغة الفارسية واستخدمت خط “نستعليق” الفارسي القديم في الكتابة، والتي جاء فيها “أميركا تعود… الدبلوماسية تعود إلى مركز سياستنا الخارجية”، والملفت أن خلفية التغريدة كانت صورة بايدن، كما أن كلمة دبلوماسية كتبت لوحدها باللون الأصفر العريض، والجدير ذكره والذي يبعث الاستغراب أن التغريدة نشرت بعد ساعات من قصف مطار أربيل الدولي بصواريخ كاتيوشا حيث توجد قاعدة عسكرية أميركية.
في مسار التطبيع العلني الذي تتزايد مؤشراته في الآونة الأخيرة من قبل إدارة بايدن، إعلان مسؤول أميركي بأن واشنطن أبلغت بعثة إيران في الأمم المتحدة بأنها ستخفف قيود السفر على الدبلوماسيين الإيرانيين، الخطوة الأممية الأميركية لم تتوقف عند هذا الحد، ففي اليوم نفسه أعلنت واشنطن أنها وافقت على دعوة وجهها إليها الاتحاد الأوروبي للمشاركة في محادثات تحضرها إيران لبحث سبل إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن “الولايات المتحدة تقبل دعوة من الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي لحضور اجتماع لمجموعة 5 + 1 (الولايات المتحدة وألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا) وإيران للبحث في الطريقة المثلى للمضي قدما بشأن برنامج إيران النووي”.
في المقابل لم تزل طهران المحاصرة تتريث، ولم ترد بشكل واضح على ما يمكن وصفه بالخطوات الإيجابية الأميركية، حيث تعامل وزير خارجيتها جواد ظريف بحذر شديد وغرد قائلا إن “بلاده مستعدة للتراجع عن كافة الخطوات السابقة، إذا ما تم رفع العقوبات الأميركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب”. فبالنسبة لطهران العقدة تكمن في العقوبات الأميركية التي تقيد عمل كافة الدول الراغبة في التعامل مع إيران اقتصاديا، كما أن جميع الخطوات الأميركية وحتى التعيينات المثيرة للجدل ليس لها أي مردود إيجابي على طهران إذا ما قامت واشنطن بتخفيف الضغوط الاقتصادية عليها.
طهران التي تتهم المجتمع الدولي وخصوصا الأوروبيين بأنهم تخلوا عنها وتخلوا عن التزاماتهم التي وقعوا عليها في الاتفاق دون أن يعلنوا انسحابهم منه، تضعهم في الخانة الأميركية، حيث تشدد طهران على ضرورة عودة واشنطن إلى التزاماتها التي وقعت عليها سنة 2015 كشرط مسبق قبل الذهاب إلى المفاوضات.
في المفاوضات السابقة استخدمت طهران أسلوبها الغامض، استدرجت واشنطن إلى ملعبها التفاوضي، أخذت أكثر مما أعطت، استثمرت حاجة باراك أوباما إلى تحقيق إنجاز تاريخي، تمكنت من عزل أطراف دولية وإقليمية عن المفاوضات، ولكنها الآن تواجه ارتيابا أوروبيا من أي خطة تفرد أميركي، وإضافة إلى ارتباك أميركي داخلي وخارجي غير قادر على إعطائها ما تريد في الشكل الذي تريد والوقت الذي تريد. وهذا ما يحول دعوات التطبيع التفاوضية إلى ثقل دبلوماسي عليها كأنه كلام حق يراد به باطل.