بقلم: السيد أمين شلبي – المصري اليوم
الشرق اليوم – حتى خلال حملته الانتخابية كان الباحثون والمحللون يتساءلون، باعتبار أن المرشح للرئاسة جوزيف بايدن، كان نائباً للرئيس باراك أوباما خلال ولايته الرئاسية 2008 – 2016، عما إذا كانت سياسة بايدن الرئيس ستكون تكرارا لسياسات إدارة أوباما الخارجية، وقد أجاب بايدن عن هذه التساؤلات بعد فوزه وتوليه الرئاسة، أن إدارته واختياراتها، خاصة في السياسة الخارجية، لن تكون تكراراً لسياسات أوباما، إلا أنه مع الأسابيع الأولى للإدارة الجديدة، بدأت تتكشف ملامح السياسة الخارجية لإدارة بايدن وتوجهاتها في عدد من قضاياها.
في الإطار العام للسياسة الخارجية كان بايدن يركز على التنسيق والتشاور وبناء التحالفات مع الحلفاء والشركاء، وأن الدبلوماسية أصبحت مركزية في سياستنا الخارجية وهو ما يذكر بأن أوباما في بداية عهد ورفضه لسياسات جورج بوش الابن الأحادية كان يدعو لنهج المشاركة Partnership وبناء التحالفات والحوار حتى مع الخصوم، كانت منطقة الشرق الأوسط في مقدمة المناطق التى أظهرت مواطن الاتفاق والاختلاف، فكما سبق أن عبرنا على هذه الصفحات، وعلى عكس إدارة أوباماً في شهورها الأولى، حين تبنت مبادرة واسعة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كان جوهرها حل الدولتين، ووقف بناء المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، جاءت خطوات إدارة بايدن في صورة «لفتات» Gestures تجاه الفلسطينيين متمثلة في النظر في إعادة المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، وإعادة المساهمة الأمريكية في وكالة غوث اللاجئين، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن وإعادة القنصلية الأمريكية إلى القدس الشرقية، وقد وصفت هذه اللفتات «بالتجميلية» Cosmetic، فرغم أنها التزمت بحل الدولتين إلا أن الإدارة لم يصدر عنها أي شيء حول القضية الجوهرية وهي المستوطنات، فضلاً عن أي مبادرة كبيرة حيال الصراع. أما مواطن الاتفاق مع إدارة أوباما، فكانت أساسا حول الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، الذي كان أوباما رأس الحربة في التوصل والدفاع عنه، حول هذا الاتفاق كان بايدن، حتى قبل فوزه، يدافع عن هذا الاتفاق ويعد بإحيائه والعودة إليه، وبعد توليه الرئاسة أصبح من أولويات سياسته الخارجية إحياء هذا الاتفاق رغم الصعوبات التي تواجه هذه العودة.
وتذكر أنه في تعامل أوباما مع قضايا الشرق الأوسط، والذي تعرض فيه لهجوم شديد من خصومة الجمهوريين واتهامه بالانسحاب من المنطقة وتسليمها لخصوم أمريكا، رغم أن أوباما كان يؤكد أن أمريكا مازالت موجودة في المنطقة بقواعدها العسكرية وطيرانها الذي يغطي سماءاتها (راجع مقالته الشهيرة مع مجلة (Atlantic)، وقد تلازم هذا مع الاستراتيجية الجديدة التي صاغتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ودارت حول إعادة توجيه السياسة الخارجية الأمريكية Redirection بمعنى التوجه والتركيز على آسيا وخاصة جنوب شرق آسيا باعتبارها مناطق الوعود الاستراتيجية والتجارية وقالت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكى آنذاك، إن سياسة أمريكا الخارجية لن تظل «رهينة» منطقة واحدة، بإشارة واضحه للشرق الأوسط، وقد فهم خبراء ومحللون أن هذا يعني توجيه السياسة الخارجية إلى آسيا على حساب الشرق الأوسط، وأن من أهدافها احتواء الصين.
في هذا الاتجاه تشير المؤشرات إلى أن إدارة بايدن تسير في نفس الاتجاه، أولاً، من حيث تأكيدها على «الخطر الصيني» والأهمية التي أعطاها جاك سوليفان مستشار الأمن القومي لإعادة هيكلة فريق المجلس، حيث قلص الفريق المختص بالشرق الأوسط، ووسع من الفريق المتعلق بسياسات جنوب شرق آسيا.
وباعتبار أن قضية سباق التسلح النووي والاستراتيجي كانت منذ عهد ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر، قضية محورية في علاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي، وظلت كذلك مع وريثته روسيا الاتحادية، في هذا اعتبر باراك أوباما أن من إنجازات إدارته إبرام اتفاقية Start 2 للحد من الأسلحة الاستراتيجية عام 2011 مع الرئيس الروسي عندئذ ميدفيديف بخفض إلى الحد الأقصى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية العابرة للقارات بنسبة 30%. وكان مقررا أن ينتهي مفعول هذه المعاهدة في 5 فبراير 2021، غير أن إدارة بايدن استبقت هذا التاريخ واقترحت تجديدها خمس سنوات إضافية وهو ما رحبت به روسيا.
غير أن هذا لا ينفي اللهجة المتشددة لبايدن تجاه روسيا والتصدى لما عبر عنه وزير الخارجية بلينكن بالتوجهات الخبيثة لروسيا، ويذكر هذا بأنه في نهاية عمل أوباما وصلت العلاقات مع روسيا إلى مستوى متدن وصل إلى حد طرد الإدارة لأعداد من الدبلوماسيين الروس في واشنطن، وعلى هذا فالتعاون مع روسيا حول قضية الأسلحة الاستراتيجية، ومقاومتها في قضايا أخرى مثل حقوق الإنسان، يذكر بصيغة هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة الخارجية حول التعامل مع روسيا، والتعاون معها حول قضايا عالمية مثل منع الانتشار النووي والإرهاب… إلخ، ولكن التصدى لها في القضايا التي تهدد المصالح الأمريكية. وهي الصيغة التي تبناها بايدن في خطابه الأخير حول سياسته الخارجية فيما يتعلق بالصين: «سوف نتصدى لانتهاكاتها، ولكن مستعدون للعمل معها عندما يكون هذا في مصلحة أمريكا».
يتضح من هذه المؤشرات الأولية عن سياسة إدارة بايدن الخارجية أن نقاط الاتفاق مع سياسات أوباما أكثر من نقاط الاختلاف، وهو ما يبدو أمراً متوقعاً باعتبار أن بايدن كان نائب الرئيس خلال ولايتي أوباما، وأنه شارك فيها وتشرب توجهاتها ودوافعها، وأن الفريق الذي اختاره سواء في البيت الأبيض، أو وزارة الخارجية أو مجلس الأمن القومي أو وزارة الدفاع، وكذا مبعوثوه في قضايا المناخ وإيران والشرق الأوسط، وأخيراً اليمن كانت شخصياته من عناصر فريق أوباما في هذه القضايا، وسوف تظهر الأسابيع والشهور القادمة على الأقل مدى تبلور هذه المؤشرات، وهو ما نتصور معه أن الدبلوماسيات العالمية سوف تركز على الحوار والتواصل مع أعضاء هذا الفريق.