بقلم: مروان كنفاني – العرب اللندنية
الشرق اليوم- كانت انتخابات عام 2006 فتنة رحم الله بعض نتائجها، ويأمل شعبنا أن تكون الانتخابات المقبلة، التشريعية والرئاسية، والمجلس الوطني، لو تمت، أفضل من سابقتها.
يرجع البند الوحيد الذي أوقف الانهيار التام لأول تجربة فلسطينية لتشكيل كيانية وطنية نتيجة لاتفاق أوسلو إلى ثبات الرئاسة الفلسطينية التي تولاها ولازال الرئيس محمود عباس، وتحظى باعتراف الفصائل والأحزاب والنقابات الفلسطينية، والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ودول العالم، على الرغم من أن تلك الرئاسة لم تتمكن من الحفاظ على وحدة الكيانية الوليدة وشهدت أول انقسام فلسطينيي للشعب والأرض.
في انتخابات عام 1996 تحمّلت حركة فتح قرار حركة حماس بعدم المشاركة في الانتخابات الفلسطينية الأولى، وكانت شعبية الرئيس الراحل ياسر عرفات ونفوذه مهمة في حسم إقرار المرشحين الفتحاويين وفرض الالتزام الحزبي على الكوادر، ما فتح الطريق أمام نجاح فتحاوي سهل.
اختلف الوضع في انتخابات عام 2006 التي فرضت على القيادة الفلسطينية من الأميركيين والأوروبيين والأمم المتحدة، وكان يرفضها الرئيس الراحل عرفات إلاّ بعد إنجاز تنفيذ كامل بنود اتفاق أوسلو. وفي هذه الانتخابات تحمّلت فتح التي قادت السلطة الوطنية في الأراضي الفلسطينية كل أخطاء وخطايا عشرة أعوام من حكم سادته الصعوبة نتيجة للتحكّم والحكم غير المباشر للاحتلال الإسرائيلي.
لكن الأسباب التي أدت عمليّا إلى فشل حركة فتح في استرداد الأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات 2006 كانت تعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية. أولها فشل عملية السلام وما تلاها من أزمات سياسية واقتصادية في الأراضي الفلسطينية.
وثانيها الاستحواذ الجشع لقيادات وأفراد أعضاء حركة فتح في الاستيلاء على معظم الوظائف الحكومية والمراكز القيادية، وشاركت في الأنشطة التجارية.
وثالثها اندلاع الانتفاضة العارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1999، حيث أسهمت السلطة الوطنية، والرئيس الراحل عرفات بالذات، في التغاضي وأحيانا في المساهمة في تسليح النشاط الفلسطيني المقاوم بما فيه عمليات حركة حماس، الأمر الذي أبرزها لدى الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية والخارج، ولدى الدول العربية والأجنبية وإسرائيل أيضا.
في انتخابات عام 2006 هزمت حركة فتح نفسها نتيجة للتسيّب في التحضير والترتيب للوائح المرشحين لتلك الانتخابات، وتم تغيير الأسماء في تلك اللوائح عدة مرات وتقديم مرشحين يزيدون عن المطلوب وفق الاحتجاجات الشخصية والعائلية والجهوية، ما أغضب الكثير من أعضاء فتح الطامحين إلى شغل المراكز الحزبية والإدارية والسياسية المعروضة في الانتخابات العامة.
وانعكس ذلك على مجمل نشاط الحركة، بعدم المشاركة في التصويت، وفي كثير من الحالات إعطاء أصوات العديد من أعضاء فتح لمرشحي حماس، التي نشطت، بمشاركة داعمة من محطة تلفزيونية خليجية، في التلامس مع الفلسطينيين وإعطاء الوعود بحياة أفضل، وطمأنة تحقيق التصدي الحلم للاحتلال وتحرير البلاد والعباد، وضمانة الأعمال والأشغال للعاطلين والفقراء، ولم يكن الفلسطينيون البسطاء في غزة جرّبوا بعد حكم حماس.
الانتخابات الفلسطينية القادمة (فيما لو تمّت) تحمل نفس الأسباب التي تسببت في خسارة حركة فتح في الانتخابات السابقة عليها، لكن هذه المرة قد تتأثر منها أيضا حركة حماس، لأن الانتخابات القادمة تعتمد على القائمة الواحدة في مختلف أنحاء الوطن.
لم تعد لحماس ولا لفتح مساحة لإقناع الشعب بإمكانية التوصل إلى وطن فلسطيني موحّد يحكمه اختيار الشعب بحرية، ويضمن حق الاعتراض والمعارضة والاختلاف بالرأي وفق القوانين والدستور.
ولم تعد هناك إمكانية أيضا لتحقيق مستقبل أفضل للقطاعات الأفقر والأقل فرصة، سواء نجحت فتح أو حماس في الانتخابات القادمة.
يتطلب رفض نتائج الانتخابات المتوقعة من حماس أو فتح مجرد الاستمرار في الوضع الراهن، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ولن تسلّم أيّ حركة ما تسيطر عليه الآن من أرض وشعب.
الخلاف الكبير بين الانتخابات السابقة والمتوقعة، هو أن نجاح الأخيرة لم يعد مطلبا فلسطينيا أو عربيا فحسب، لأن الهدف الدولي الذي تقوده القيادة الأميركية الجديدة هو التوصل إلى محاولة حلّ معظم المناطق الساخنة في الشرق الأوسط والخليج العربي وآسيا وشرق أوروبا.
أثبتت الأحداث خلال السنوات القصيرة الماضية أن استقرار الشرق الأوسط ومنطقة الخليج منابع النفط والمعابر الدولية البحرية، يعتمد على ما يتوافر من استقرار في الشرق الأوسط.
لم يعد التوصل إلى اتفاق سلمي وعادل هدفا فلسطينيّا وإسرائيليا فحسب، وبالتالي لم يعد أيضا متروكا لمجرد اتفاق بين فتح وحماس أو تضارب تحالفاتهما الإقليمية السائدة الآن.
من المتوقع أن تتقارب فرص النجاح في الانتخابات بين الحركتين بعد أن تقرر أن تكون وفق نسبية الوطن الفلسطيني كدائرة واحدة في التصويت.
لكن الواقع يشير إلى إمكانية العودة إلى الوضع الفلسطيني الذي عاشه شعبنا منذ انتخابات عام 2006، غزة حماس وضفة فتح.
الفارق الوحيد هو السنوات الطويلة التي مرت على الفلسطينيين في الضفة وغزة منذ الانتخابات الأخيرة، وما تركته السنوات خلفها من خير أو شرّ. نجحت حماس في تثبيت نفسها كقوة ذات وجود إقليمي وتحالفات متينة لحماية وجودها، لكنها فشلت في إرساء مجتمع مدني يضم مواطنين يتمتعون بالأمن والأمان وحرية الرأي والتفكير، وإن كان طرأ تحسّن قليل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
لا تستطيع حماس أن تبني اقتصادا أو تجارة عن طريق التسلّط والمصادرة، ولا يمكنها إطعام سكان القطاع وتعليمهم ومعالجة أمراضهم من خلال الحقائب القطرية والتسامح الإسرائيلي المتذبذب.
ولا يجوز لقيادة حماس أن تقتصر على ادعاءات المقاومة التي تتم تجربتها خلال أيام قصيرة بمرور السنوات، فإسرائيل لا تريد احتلال غزة، ولن تستطيع ذلك.
على حركة حماس أن تتحول من مجرد فصيل مقاوم إلى حزب مدني يسعى لقيادة الفلسطينيين إلى الأمن والرخاء ويساعدهم على العمل والبناء والتعليم والتقارب مع أهلهم وإخوتهم في الضفة الغربية.
يبدو أن حركة فتح تحاول عدم الوقوع في أخطائها التي حرمتها من الفوز في الانتخابات السابقة، غير أنها لازالت تصرّ على تقسيم المجتمع الفلسطيني بين فتحاويين يتمتعون بالوظائف ومنهم السفراء والوزراء والخبراء بكفاءة أو دونها، وهم المكلفون بالأموال والمشاريع والتفاوض والتجارة والاقتصاد والإعلام والتلفزيون والرياضة والتمثيل، وبين رعايا فلسطينيين مكلفين بدفع الضرائب وخصم المعاشات وإسكات الألسن.
لقد كان الشعب الفلسطيني صادقا وداعما لفتح طوال سنوات الكفاح والموت، وأيضا في سنوات السلم والحكم، وعلى فتح، نجحت في الانتخابات أم لم تنجح، وقادتها خاصة الرئيس الذي احتضنه الشعب ودعمه وحماه أن يتّقوا الله في شعبهم.