بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- مر الرئيس الأميركي جو بايدن بتجربتين غير مشجعتين مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما سابقاً.في عام 2010 وخلال زيارة بايدن لإسرائيل، أعلن نتنياهو عن مشروع استيطاني جديد في القدس الشرقية. عامذاك اعتبرت إدارة أوباما الخطوة الإسرائيلية بمثابة تحدٍ لها بسبب مواقفها المعارضة للاستيطان، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي تعمد إحراج بايدن بالإعلان عن المشروع الإستيطاني بالتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي.
وفي عام 2014، وفي ذروة صعود تنظيم “داعش”، قال بايدن في محاضرة أمام طلاب جامعة هارفارد، إن تركيا من الدول التي شجعت بروز التنظيمات الجهادية بسبب الحرب في سوريا، الأمر الذي أغضب أردوغان وجعله يطالب بايدن بالاعتذار. وفعلاً، حصل اتصال هاتفي عامذاك بين الرجلين واضطر بايدن إلى إيضاح موقفه والاعتذار من الرئيس التركي.
الآن، مع دخول بايدن إلى البيت الأبيض، تسري المخاوف في إسرائيل وتركيا، من أن الرئيس الأميركي الجديد، قد لا يسير على خطى سلفه دونالد ترامب، الذي كان متسامحاً إلى أقصى الحدود مع نتنياهو وأردوغان.
في إسرائيل، يخشى نتنياهو أن يبادر بايدن إلى إطلاق خطة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، يكون أساسها العودة إلى طرح “حل الدولتين”، ما سيتسبب بحرج لرئيس الوزراء الإسرائيلي، فضلاً عن فرض قيود على الاستيطان. وهذان أمران تجاهلتهما خطة ترامب المعروفة بـ”صفقة القرن”، لا بل أطلقت يد إسرائيل في الاستيطان ووصل الأمر بوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو إلى حد زيارة مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية واعتبار أن المستوطنات قانونية وليست عقبة أمام السلام، وفق ما درج عليه الموقف الأميركي التقليدي.
لقد أكد بايدن أنه لن يتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعن نقل السفارة الأميركية إليها، كما أنه أشاد باتفاقات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، معلناً تشجيعه لمثل هذه الخطوات.
لكن بالنسبة إلى نتنياهو لا يعتبر هذا كافياً. فهو يريد الإطمئنان إلى أن بايدن لن يعمد إلى إحياء “حل الدولتين” في ما يتعلق بالفلسطينيين، ولا أن يعود إلى الاتفاق النووي مع إيران.
ورداً على كلام صريح من بايدن بالرغبة في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران إذا ما تراجعت طهران عن انتهاكاتها للاتفاق، جنّ جنون نتنياهو وقال علناً، إن عودة واشنطن إلى الاتفاق ورفع العقوبات، سيكونان خطأين. وذهب رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي إلى الإعلان عن أن استعدادات لاحتمال شن هجوم على المواقع النووية الإيرانية.
موقفا نتنياهو وكوخافي، أثارا استياءً ملحوظاً في أوساط الإدارة الأميركية الجديدة، وإليهما يعزو مراقبون تأخر إتصال بايدن بنتنياهو بعد مرور ثلاثة أسابيع على دخول بايدن إلى البيت الأبيض، في حين أن أوباما وترامب، كانا سارعا إلى الاتصال بنتنياهو بعد أيام من تسلمهما منصبيهما رسمياً. لذلك، تكثر التكهنات حول أسباب تأخر مهاتفة بايدن لنتنياهو أسوة بزعماء دوليين آخرين. ومجرد عدم الاعتراف الصريح لوزير الخارجية الأميركي الجديد أنطوني بلينكن بشرعية ضمّ إسرائيل مرتفعات الجولان السورية المحتلة، كان كفيلاً بإثارة رد فعل سريع من نتنياهو الذي قال إن لا مجال لمناقشة سيادة إسرائيل على الهضبة تحت أي ظرف كان. هذا دليل آخر على الارتياب الذي تنظر به إسرائيل إلى الإدارة الأميركية الجديدة.
أردوغان، بدوره، لديه الكثير من الأسباب التي تدفعه إلى القلق من بايدن. فالرئيس الديموقراطي يبدو عازماً على إثارة مسائل حقوق الإنسان مع الرئيس التركي. وما مسارعة الإدارة الأميركية الجديدة إلى مطالبة أنقرة بـ”الإطلاق الفوري” لرجل الأعمال التركي عثمان كافالا المسجون منذ ثلاثة أعوام باتهامات “مضللة” حول علاقته بمحاولة الإنقلاب الفاشلة عام 2016، سوى بداية غير مشجعة لمستقبل العلاقة بين واشنطن وتركيا.
وإلى مسائل حقوق الإنسان، لن يظهر بايدن تسامحاً حيال تعزيز أنقرة علاقاتها بروسيا، وخصوصاً ما يتعلق بصفقة صواريخ “أس-400”. وقبل نحو عام من انتخابه، قال بايدن في مقابلة مع صحيفة “النيويورك تايمس” الأميركية، أنه يتعين على واشنطن مساعدة المعارضة التركية على التخلص من نظام أردوغان “المستبد”.
وخلال رئاسة ترامب، لم يكن يخفي الديموقراطيون معارضتهم التوغلات العسكرية التركية ضد الأكراد في شمال سوريا، كما أنهم لم يستسيغوا التدخل التركي في ليبيا، فضلاً عن إثارة التوتر في شرق المتوسط.
بهذه الخلفية المتوترة، ستكون محكومة العلاقات الأميركية – التركية في ظل رئاسة بايدن، الذي من الواضح أن لا كيمياء شخصية تربطه بأردوغان، كتلك التي ربطت ترامب به.
ومن الماضي غير المشجع، يتنامى قلق أردوغان ونتنياهو مما سيكون عليه مستقبل العلاقة مع بايدن.