بقلم: مينا العريبي – الشرق الأوسط
الشرق اليوم- هناك حاجة ملحة للتغيير السياسي في العراق، لا شك في ذلك إلا لدى القلة المستفيدة من الفوضى في البلاد منذ سنوات. العوامل التي أخرجت مئات الآلاف من الشباب العراقيين للتظاهر، رغم مخاطر نشاطهم السياسي من خطف واغتيال، ما زالت قائمة. وعلى الرغم من جهود حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإحداث إصلاحات واسعة في البلاد، فإن مواجهة الفساد المالي والإداري وحماية السيادة العراقية تتطلب كثيراً من الوقت والجهد، بالإضافة إلى تحالفات سياسية أعمق وأقوى من تلك التي يتمتع بها الكاظمي في الوقت الحالي. لذلك المطالبة الملحة بالانتخابات من قبل الناشطين وبعض التجمعات السياسية المستقلة والوطنية، المطالبة بأمل أن يخرج بعض الفاسدين وتتطور تحالفات جديدة غير طائفية تستطيع أن تساهم في بناء المؤسسات الوطنية. بالطبع هناك أيضاً من يطالب بانتخابات سعياً لتوسيع نفوذه في الحلبة السياسية، ومن بين هؤلاء مقتدى الصدر الذي قام بنشر عناصر ميليشياته «سرايا السلام» في بغداد وعدد من المدن العراقية الأسبوع الماضي، ليظهر قدرته على بسط سيطرته على الشارع إذا لزم الأمر، من دون الاكتراث بالقوات الأمنية الخاصة بالدولة أو تحالفاته السياسية.
الحراك السياسي يتصاعد في العراق، استعداداً للانتخابات. وإذا كان هذا الحراك سلمياً، فهذا أمر جيد، إلا أن هذا الحراك يتزامن مع عمليات تخويف واستهداف داخلية تطال ناشطين سياسيين وقد ساهمت الصراعات الداخلية في إحداث خلل أمني أدى إلى تفجيرات الشهر الماضي في ساحة الطيران بالعاصمة بغداد ومقتل 32 عراقياً وجرح العشرات.
لقد تم تأجيل موعد إجراء الانتخابات من يونيو (حزيران) المقبل إلى أكتوبر (تشرين الأول). والهدف من التأجيل كان لمنح فرصة أكبر لإجراء عملية الاقتراع بظروف أفضل. من يريد إنجاح الانتقال السلمي للسلطة واستقرار البلد يبحث عن منفذ لإجراء الانتخابات وإحداث التغيير بشكل سلس وسلمي. إلا أنه في الدورتين الأخيرتين من الانتخابات التشريعية في العراق، كانت عمليات التزوير عالية، بينما نسبة مشاركة الناخبين تراجعت بشكل ملحوظ. فمن لم يؤمن بنزاهة الانتخابات لم يدلِ بصوته. وهذا الأمر الذي يجب تجنبه في انتخابات أكتوبر المقبل. الصراعات السياسية وضعف المنظومة الأمنية والبيروقراطية أدت إلى حالات تزوير واسعة في انتخابات عام 2018.
ومن هنا جاءت فكرة إجراء الانتخابات العراقية تحت وصاية أممية. على الرغم من جهود دعم السيادة العراقية، فإنه يبدو من الضروري حماية هذه العملية الحساسة من قبل جهة خارجية من الفاسدين، والتدخلات الإيرانية السافرة التي تسعى إلى السيطرة على العملية السياسية من خلال لاعبين سياسيين موالين. كما أن للأمم المتحدة دوراً مهماً في حماية تسجيل العراقيين وخاصة النازحين منهم لينالوا حقهم في التصويت. التكنولوجيا يمكنها أن تلعب دوراً مساعداً ومهماً، من خلال بطاقة الهوية البيومترية للناخب لتحدّ من إمكانية التزوير، ولكن المقلق أنه من غير السهل حصول كل العراقيين على هذه الهوية، وخاصة من نزح وفقد أوراقه، أو من يخشى من التواصل المباشر مع السلطات خوفاً من استهدافه بسبب طائفته أو هويته.
قرار إجراء الانتخابات العراقية تحت وصاية أممية ليس بالأمر السهل، وبينما تزداد الجهات المؤيدة للعب الأمم المتحدة دوراً في هذه الانتخابات، يتطلب الأمر موافقة مجلس الأمن. وبينما من المتوقع أن تدعم الدول الأوروبية والولايات المتحدة هذا التواجه، هناك تردد روسي وصيني. وهناك سببان أساسيان لهذا التردد، إن لم يكن معارضة مباشرة بعد، السبب الأول هو الرفض التقليدي لكل من موسكو وبكين للعب الأمم المتحدة دوراً في رعاية انتخابات، خوفاً من أن ما يحدث في العراق قد يتكرر في دول أخرى تمس إحدى الدولتين. أما السبب الثاني فهو مواصلة الصين وروسيا موقفهما منذ عام 2003 في معارضة التدخل الأميركي في العراق، واعتبار أن على واشنطن حل الأزمات التي فجرتها هناك قبل 18 عاماً.
وفي الواقع، بعد أن تم استهداف مقر الأمم المتحدة في بغداد في أغسطس (آب) 2003، ومقتل عدد من موظفيها، بمن فيهم المبعوث الأممي سيرجيو دي ميلو، تراجع دور المنظمة الدولية بصنع القرار في العراق. إلا أنه مع تراجع الدور السياسي الأميركي في البلاد واختيار مبعوثة نشطة لتولي مهمة المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، وهي جنين هينيس – بلاسخارت، بدأت المنظمة الدولية تلعب دوراً أكبر في بغداد. وبعد أن اعتاد العراقيون على مبعوثين أممين بعيدين عن الأنظار على مدار 15 عاماً، أصبحت هينيس – بلاسخارت معروفة بدورها وقدرتها على بسط نفوذها في العراق.
هناك انقسام في الآراء تجاه المبعوثة الأممية، التي شغلت منصب وزيرة دفاع هولندا سابقاً. وقد صعدت شعبيتها بشكل ملحوظ في أكتوبر من عام 2019. عندما قامت بزيارة ساحة التحرير، موقع المتظاهرين في بغداد، وطالبت بحمايتهم. إلا أنها أغضبت كثيرين عندما قامت بعد عام من ذلك بلقاء القيادي في ميليشيا «كتائب حزب الله» عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ«أبو فدك» والمتهم بقتل العشرات من المتظاهرين. وزاد هذا الغضب منها عندما توجهت إلى طهران قبل عدة أيام لمناقشة الشأن العراقي مع مسؤولين إيرانيين، بغرض «الحد من التدخل الأجنبي» في العراق. ومن يؤيد المبعوثة الأممية يقول إنها مضطرة للحديث مع كل الأطراف للتوصل إلى توافقات تجعل من الممكن إجراء الانتخابات. ولكن هناك خشية من أن هذه اللقاءات تضفي شرعية على التدخل الإيراني وعمل الميليشيات غير الشرعي.
وبغضّ النظر عن هذا الجدال، فإن وصاية أممية صعبة المنال. ولكن قيام المنظمة الدولية بالإشراف الفعال على الانتخابات بشكل واسع يمكنها أن تساهم في الحد من التزوير وحماية الناخبين نسبياً، بالإضافة إلى مراقبة فرز الأصوات.
وبما أن العراق من الدول المؤسسة للأمم المتحدة قبل 75 عاماً، وكثير من أبناء شعبه يؤمنون بمبادئ المنظمة الدولية، قد تشكل المراقبة الأممية مخرجاً جيداً لحماية الانتخابات، وإضفاء شرعية عليها تشجع الناخبين على المساهمة بها. لكن الرقابة بمفردها غير كافية. فعمليات الفساد والتخويف والاغتيالات لن تقف في العراق فقط لوجود إشراف أممي، وهناك مخاوف من أنه في حال أشرفت الأمم المتحدة على الانتخابات، ستنحاز لتعلنها ناجحة، حتى إن شابتها أخطاء ومغالطات.
فعلى كل من يهتم بالعراق وشأنه أن يطالب بعملية شفافة ونزيهة. الانتخابات ستختبر مصداقية العملية الانتخابية في العراق، والعملية الأممية في العالم. فبعد إخفاق المجتمع الدولي في العراق على مدار السنوات الماضية، في إجراء انتخابات ناجحة، قد تعزز من مكانة الأمم المتحدة نفسها أو تدينها بحماية انتخابات زائفة.