بقلم: هيثم الزبيدي – العرب اللندنية
الشرق اليوم– أربع سنوات شكلت طبيعة الحكم في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. لا شيء اسمه إدارة أميركية. هناك ترامب فقط. لديه في بعض القضايا باب اسمه جاريد كوشنر، مستشاره ونسيبه. الوزراء والمستشارون، فيما عدا وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، هم رجال يتم استبدالهم بسرعة وحسب مزاج الرئيس. لا معنى لمندوب أو وزير خارجية لدولة حليفة أن يجلس مع وزير خارجية مثل ريكس تيلرسون يشرح له ما يريد ليجد أن ترامب ينهال على وزيره بالتقريع ويرسله إلى بيته بتغريدة. تكرر الأمر مع كبار المسؤولين في الأمن القومي والدفاع. حفظ الرؤساء والمسؤولون في العالم الدرس بسرعة وأصبح الحديث مع الرئيس، والرئيس نفسه فقط، هو بوابة القرار. استمر الأمر إلى الدقائق الأخيرة من رئاسة ترامب.
انعكس هذا التوجه في الإدارة على السياسة الخارجية الأميركية بشكل كبير. وتصرف ترامب مع قضايا الشرق الأوسط على هذا الأساس. نجح في بعضها، ولم تتحرك الأمور بجدية في أخرى. بعض القضايا لا يمكن أن تتعامل معها بسطحية أو بانتقائية. رغم كل ما فعله مثلا بالملف الإيراني، غادر ترامب الرئاسة وإيران ضعيفة ماليا لكنها قوية إستراتيجيا. افترض بقاءه أربعة أعوام أخرى تكفي لاستنزافها. طهران كان لديها نظرة أخرى، والأخطر أن كان لديها أدوات أخرى. كان لديها لوبيها في واشنطن. بل كان لديها أخطر لوبي وهو الإدارة الديمقراطية السابقة والتي أصبحت اليوم حاكمة.
يمكن القول إن الأمر يشمل قطر. بعد فترة قصيرة من حكم ترامب، فهمت قطر أن موسمها الديمقراطي مؤجل وعليها الانتظار. تعايشت مع عهد ترامب، ثم استغلت الفرصة في عودة عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما بمسمى إدارة الرئيس جو بايدن. أوباما، أكثر من أية شخصية أميركية، هو الراعي الرسمي لفوضى الربيع العربي. مقاولة التنفيذ كانت في الدوحة. مقاول يبني بإذن أميركي وهو الزبون أيضا.
وصول إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى الحكم يفرض واقعا مختلفا على نشاط الزعماء والمسؤولين الكبار بالإضافة إلى السفارات والمؤسسات الأجنبية، والعربية منها بالخصوص، في واشنطن. انتهت الأعوام الأربعة السابقة المختلفة تماما عما اعتادت عليه العاصمة الأميركية من حركة ونشاط للوبيات ولوبيات مضادة. اليوم، إذا جاز التعبير، انتهت إجازة امتدت طوال فترة حكم ترامب وعاد الجد للعمل السياسي والدبلوماسي.
بايدن ابن الدولة الأميركية العميقة. اشتغل خمسة عقود في العمل الحكومي العام وتبوأ كل أنواع المناصب. لن يتصرف كرجل أعمال بهذا العمر الشخصي والسياسي. المهم عنده الآن تأسيس الفريق وترك الفرصة له لكي يعمل. في أيامه الأولى في الرئاسة لا شك بأنه سيتحدث في قضايا الأمن القومي والعلاقات الخارجية. قرأنا كلمته في وزارة الخارجية الأميركية وكانت تقول لفريقه إن هذه الخطوط العامة والبقية عليكم. وهذا ما سيحدث لأنه يريد التفرغ للولايات المتحدة كبلد يعاني من خطر الاستقطاب السياسي والشعبوية والأزمات الاقتصادية ووباء كورونا.
الخارجية والأمن القومي والشأن العسكري هي المجالات الأرحب لعمل اللوبيات. اختيارات بايدن تسهل المهمة، فهو استعاد الكثير من طاقم أوباما، وهم معروفون بتوجهاتهم. الكثير منهم موظفون محترفون، لكن لا أحد يفوته رصد الحزمات الأيديولوجية التي توجه البعض. الملفات السعودية تحركت مبكرا بسبب اللوبيات التي هيأت نفسها مبكرا، أي منذ أن صار واضحا أن ترامب إلى رحيل وأن القادم هو بايدن. خطير أن تشير الولايات المتحدة إلى أنها تتعامل مع السعودية ولكن لا خطط قريبة للتواصل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
الملف الإيراني وضع بحالة تريث لأن اللوبي الذي يقف من خلفه لا يريده أن يتحرك بسرعة. مبادرة المصالحة لكوشنر في الخليج استباقية لما يمكن أن يحمله بايدن وفريقه من مشاكل لدول المقاطعة. حرب اليمن صارت أولوية. أولوية التقطتها إيران والتقطها معها الحوثي بإرسال أعداد استثنائية من المسيرات والصواريخ نحو أهداف في السعودية، وبالتحرك للاستيلاء على مأرب، نقطة الاستثمار السعودي الأهم سياسيا وشعبيا في اليمن.
بتعيينها تيموثي ليندركينغ مندوبا خاص لليمن، والذي من الواضح أنه ليس بصدد استكمال ما بدأه المندوب الأممي الفاشل مارتن غريفيث الذي يدور ويجول منذ سنتين من دون أية نتيجة، تقول الولايات المتحدة إنها تريد وضع اليد على أوراق المنطقة مبكرا. واللافت أكثر أنها تخفض مستوى التمثيل لمستوى المندوبين، لكي تحد من الوصول إلى البيت الأبيض: أرسلنا لكم مندوبا بصلاحيات فتحدثوا معه؛ عهد الاتصال المباشر مع الرئيس أو مستشاره المقرب انتهى.
من هنا يصير من الضروري مقاربة المشهد في واشنطن بطريقة مختلفة. يوجد دبلوماسيون عرب أكفاء سبق وأن حققوا اختراقات مهمة في الولايات المتحدة. نلاحظ أنهم مستهدفون الآن بالأقاويل. ولكن هم الأصلح للمهمة في الوصول إلى الطبقة السياسية الحاكمة والتشريعية. سينالهم المزيد وهنا تبرز ميزة الصبر.
لا يمكن أيضا أن يترك هؤلاء الدبلوماسيين للقيام بالمهمة لوحدهم. إعلام ناطق باللغة الإنجليزية ومتمكن يسعى لإيضاح سياسات الدول العربية المهددة بإيران وتركيا والإسلام السياسي مهم ويستكمل ما لا يستطيع الدبلوماسي قوله. الموجود حاليا متواضع، بالحجم والنوعية.
الوصول إلى استنتاج مبكر بأن إدارة الرئيس الجديد ستكون معادية خطير. هذه هدية للمعسكر الآخر. وحتى لو كانت الإدارة هكذا. ألم تكن إدارة ترامب معادية لإيران؟