By: Patrick Cockburn
الشرق اليوم- لقد أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى زعزعة استقرار أيرلندا الشمالية تلقائياً
«انتقم أولاً»، هذا القول المأثور الساخر يأتي في سياسات أيرلندا الشمالية، ويعني أن تضرب خصمك كلما استطعت دون انتظار للاستفزاز.
ولنتخيل بعد ذلك متعة أولئك النقابيين الذين عارضوا دائماً بروتوكول أيرلندا الشمالية، الذي يضع الحدود التجارية الجديدة بين الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة؛ بين أيرلندا الشمالية والبر الرئيسي لبريطانيا، ليجدوا أنهم قد استفزوا حقاً من قبل المفوضية الأوروبية.
لقد صدمت المفوضية على الفور بوابل من الإساءة لحماقتها، وسحبت بإحراج الاقتراح على الفور، ولكن للمرة الأولى تقريباً منذ أربع سنوات، كان الاتحاد الأوروبي في موقف متأخر في علاقته مع بريطانيا. ولا شك في أن رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، قد أخطأت في تقديرها أو تجاهلت كما فعل كثير من السياسيين من قبلها القابلية الشديدة لاحتراق سياسات أيرلندا الشمالية، أو أنها فشلت في ملاحظة مدى تأجيجها بالفعل، من خلال إنشاء الحدود التجارية للبحر الأيرلندي بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، في بداية هذه السنة.
ومنذ أن خان بوريس جونسون النقابيين علانية، ووقع على البروتوكول الأيرلندي، شعروا بأن الأرض تتحرك تحت أقدامهم، وعلى ما يبدو تحولوا بلا هوادة نحو أيرلندا الموحدة. ويشتكي هؤلاء من أنه حتى الجيش البريطاني كان مضطراً لملء استمارات الاتحاد الأوروبي لجلب معدات عسكرية إلى المقاطعة.
ويظهر تعبير «انتقم أولاً» هنا؛ لأنه تحت ضغط من أولئك الذين هم أكثر تشدداً منهم، فإن قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي، إلى جانب «الشين فين» (حزب سياسي أيرلندي، موجود في كل من أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا) التي تدير حكومة أيرلندا الشمالية، غيرت موقفها. وبدلاً من فرض البروتوكول الأيرلندي على مضض، فإنها باتت تعارضه الآن.
ولا يمكن المبالغة في الغرابة والأخطار المحتملة للأزمة الدائمة في أيرلندا الشمالية. فمن خلال مغادرة الاتحاد الأوروبي، أنشأت بريطانيا حدوداً جديدة بين المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، سيكون تأثيرها في صالح الاتحادات/البروتستانت أو القوميين/الكاثوليك. لم يكن إعادة تقسيم أيرلندا من خلال إحياء حاجز مادي على امتداد الحدود البرية البالغ طولها 300 ميل، أمراً ممكناً، على الإطلاق، وذلك لأنه يمر فقط إلى حد كبير عبر مناطق ذات أغلبية قومية كاثوليكية، حيث سيتم حرق أو تدمير أي مراكز جمركية جديدة بمجرد إنشائها. الآن المجتمع الوحدوي البروتستانتي يمد حق النقض (الفيتو) المماثل على «حدود البحر الأيرلندي».
بعبارة أخرى، لقد أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى زعزعة استقرار أيرلندا الشمالية تلقائياً، والآن تعمل أيرلندا الشمالية على زعزعة استقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لقد فاز بوريس جونسون في الانتخابات العامة لعام 2019 بزعمه أنه «سينتهي من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، ووعد بأن العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ستحقق قريباً توازناً مستقراً. ولكن هذا هو بالضبط ما لم يحدث. وتم بناء عدم الاستقرار في اتفاقية الانسحاب، والخلاف حول اللقاحات والبروتوكول الأيرلندي ليس سوى مقدمة لعقود من الاحتكاك.
ستكون بريطانيا في وضع دائم للتفاوض وإعادة التفاوض بشأن الوصول إلى السوق الموحدة لسلعها وخدماتها. علاوة على ذلك، ستتفاوض من موقف ضعف وستضطر باستمرار لتقديم تنازلات، كما كان عليه الحال في كثير من الأحيان أثناء مفاوضاتها لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
كان الباقون يتخيلون ذلك اليوم الذي سيرى فيه «الخارجون» الأخطاء المدمرة لأساليبهم في الخروج من أكبر سوق في بريطانيا، ليأسفوا على حماقتهم، ولكن من المرجح أن يحدث العكس تماما؛ إذ سيحارب الاتحاد الأوروبي في المستقبل من أجل مصالح أعضائه ال27، مع مراعاة أقل لوجهات نظر الحكومة البريطانية والرأي العام البريطاني مما كان عليه من قبل.
التوقعات تقول إن بريطانيا ستظل مهووسة بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وإن هذه العلاقات ستولد احتكاكاً مستمراً. وقد تبدأ العلاقة الاقتصادية في تسوية نفسها بمرور الوقت، ولكن على حساب كثير من الدماء السياسية السيئة. إن الضجة في أيرلندا الشمالية ليست مخلفات غير معتادة من الماضي، ولكنها الدفعة الأولى من المواجهة الدائمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
نقلاً عن الخليج الإماراتية