الرئيسية / مقالات رأي / جورج شولتز

جورج شولتز

بقلم: عبد الرؤوف الريدي – النصري اليوم

الشرق اليوم- رحل جورج شولتز وزير خارجية الولايات المتحدة لسبعة أعوام (1982-1989)، حاول شولتز أن يفعل شيئا أو يحقق تقدما فى عملية السلام الفلسطينى الإسرائيلى، ولكنه لم ينجح فى تحقيق الاختراق الذى كان يأمل فيه، ثم قامت الانتفاضة عام 1987 وجذبت أنظار العالم.. ونجحت منظمة التحرير الفلسطينية فى أن تفرض وجودها على الساحة السياسية الفلسطينية، بينما ظل شولتز رافضا الحوار معها ما لم تعلن قبول قرار مجلس الأمن رقم 242 والتخلى عن الإرهاب، وهو ما لم يتحقق إلا عام 1988 أى فى الشهور الأخيرة من حقبة ريجان.

فى هذه الفترة ركز شولتز على العلاقات المصرية الإسرائيلية وسرعان ما تبين أنه لا أمل فى تحقيق أى تحسن فى هذه العلاقات ما لم تحل قضية طابا وأنه لا سبيل لحل هذه القضية إلا إذا قبلت إسرائيل مبدأ الحل عن طريق التحكيم الذى كانت مصر تتمسك به ويرفضه إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل.

واستطاع شولتز أن يتحرك فى مساحة الخلاف بين كل من شامير وبيريز الذى كان أكثر مرونة، وكان الإنجاز الأول هو التفاوض حول مشارطة التحكيم التى تم توقيعها عام 1986 والتى لعبت أمريكا بقيادة شولتز ومساعده ميرفى وألان كريسكو نائب مدير الإدارة القانونية الأمريكية دورا رئيسيا فى التوصل إليها وصياغتها. ثم قامت بعد ذلك بدور رئيسى فى مساعدة الطرفين فى اختيار المحكمين.

فى هذه الفترة الأخيرة من أعوام شولتز فى واشنطن تكررت زياراته ونشأت علاقة وثيقة بينه وبين وزير الخارجية آنذاك دكتور عصمت عبد المجيد، وانعكست هذه العلاقة فيما بعد على علاقة شولتز بالرئيس مبارك، وفى آخر زيارة قام بها إلى القاهرة عام 1988 ذكر أنه سيترك رسالة إلى من سيخلفونه حول محورية الدور المصرى، وأهمية التعاون معها فى شؤون هذه المنطقة الصعبة، وهو فى الواقع لم يكن محتاجا إلى أن يذكر ذلك للإدارة التى جاءت بعده، فلقد كان توجه إدارة الرئيس بوش منذ البداية توجها إيجابيا نحو مصر.

فى فترة الشهور الأخيرة قبل رحيله عن الخارجية عام 1989 نشط بوش بشكل غير معتاد وكأنه يحاول أن يعوض ما فات للتوصل إلى نوع من الاختراق يمكن به التوصل إلى تفاهم حول تمثيل الفلسطينيين متجاوزا منظمة التحرير، ولكنه لم يستطع أن يحقق إنجازا إلى أن تم التوافق الذى لعبت السويد دورا هاما فى التوسط فيه بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير، وتم إعلان عرفات قبول قرار 242 ومعارضة الإرهاب وهو ما أمكن بعده بدء الحوار الأمريكى مع المنظمة.

وأذكر أنه دعانى للذهاب معه فى طائرة الهليكوبتر إلى واى بلانتيشن فى ولاية ميريلاند القريبة من واشنطن، وطلب من مساعده ريتشارد مرفى أن يطلعنى على البيان المعد لإلقائه فى المؤتمر.

وعندما قرأت البيان وجدته قد تضمن فقرة عن مصر ودورها البناء فى السلام والاستقرار فى المنطقة، وذكر أنه هو الذى كتب هذه الفقرة بخط يده.

وفى هذه المناسبة طلبت إليه أن يتضمن بيانه أيضا فقرة عن تأييد حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى فأجاب بأنه تحدث عن الحقوق السياسية.. وأن هذا يكفى.

دارت الأيام وما تمثله من حقب من جورج بوش الأب إلى بيل كلينتون إلى جورج بوش الابن إلى باراك أوباما، ثم إلى ترامب الذى قد يذكره التاريخ بأنه الرئيس الذى لم يترك بصمته فقط على ضياع التقاليد والقيم الأمريكية، بل هو الذى ترك بصمته أيضا على ضياع القواعد والأعمدة الرئيسية للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة.

ويأتى رحيل جورج شولتز ليذكرنا بأنه ربما يعنى أيضا رحيل حقبة عرفناها.. كانت أمريكا هى الدولة الرائدة فى إقامة بنيان العلاقات الدولية القائم على نظام الأمم المتحدة، وهى التى تصدت يوما لحلفائها (إنجلترا، فرنسا، إسرائيل) وأرغمتهم على إيقاف عدوانهم الثلاثى على مصر.

ربما يكون الذى رحل ليس فقط جورج شولتز، بل أيضا رحيل حقبة وغروب زمن مضى.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …