الرئيسية / مقالات رأي / The New York Times: أمريكا وتكلفة فقر الأطفال

The New York Times: أمريكا وتكلفة فقر الأطفال

By: Nicholas Kristof

الشرق اليوم- تخيّل أن لديك جاراً في منزل بآخر الشارع حيث تسكن، يدلّل أحد أطفاله غاية التدليل من خلال بطاقة ائتمان، وأحسن مدرسة خاصة، وسيارة «تيسلا»، في حين يعامل الوالدان معظم أطفالهما الآخرين بطريقة لا بأس بها ولكن ليس ببذخ. وبعد ذلك، تكتشف أن الأسرة تحبس أحد أطفالها في غرفة من دون تدفئة وموبوءة بالحشرات، وتحرمه من الاعتناء بأسنانه، وكثيراً ما تتركه من دون طعام.

بالطبع، ستتصل بالشرطة للتبليغ عن إساءة معاملة طفل. لكن هذا هو حالنا في الحقيقة؛ فتلك الأسرة هي أميركا ووصمة عارنا الأخلاقية. إن بعض الأطفال الأميركيين يذهبون إلى حضانة أطفال تبلغ رسومها 70 ألف دولار في السنة، في حين يعيش 12 مليون طفل في أسر لا تملك قوت يومها. والواقع أنه كثيراً ما كان لدى الولايات المتحدة واحد من أعلى معدلات فقر الأطفال في العالم المتقدم، لكن جاء وباء كورونا ليزيد الطين بلة. غير أنه باستطاعتنا تحقيق تقدم مهم: فالرئيس جو بايدن ضمّن مقترحاً في برنامجه «خطة الإغاثة الأميركية» التي تبلغ قيمتها 1.9 تريليون دولار، والتي قالت إحدى الدراسات إن من شأنها أن تقلّص فقر الأطفال بالنصف. وإذا كنا، نحن العاملين في وسائل الإعلام، قد ركّزنا على المساعدات المالية التي تدفع للأفراد بشكل مباشر، فإن العنصر التاريخي في خطة بايدن هو سعيها لخفض فقر الأطفال.

وفي هذا الصدد، قال لي جايسون فرمان، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة هارفرد: «إن خطة الإغاثة الأميركية هي أكثر مقترح لتقليص فقر الأطفال طموحاً يقترحه رئيس أميركي على الإطلاق».

بعد بضعة عقود من الآن، ستظل أميركا نفسها إلى حد كبير، سواء أكانت المساعدات المالية المباشرة التي ستصرف في الأخير 1000 دولار أم 1400 دولار، غير أن أحوالنا كبلد ستتغير إذا استطعنا تقليص فقر الأطفال في حياتنا. ولهذا، فإن الجزء الأكثر إثارةً للقلق في المقترح المضاد الذي تقدم به 10 أعضاء «جمهوريين» في مجلس الشيوخ هو قرار إسقاط خطة الحد من فقر الأطفال. لكن رجاءً، سيدي الرئيس، لا تقدّم أي تنازل بخصوص هذا الموضوع.

أما أنتم يا أعضاء مجلس الشيوخ، فما الذي تفكرون فيه؟ هل بات الحزب الذي يدّعي «الدفاع عن الأسرة» يناضل الآن من أجل الإبقاء على فقر الأطفال؟

والحق أنه مما يُحسب لبعض السيناتورات الجمهوريين، مثل مايك لي (من ولاية يوتا) وماركو روبيو (من ولاية فلوريدا)، أنهم تحدّثوا بإيجابية عن عناصر في خطة بايدن لمحاربة فقر الأطفال. لكن المثير للذهول، بشكل عام، هو أن يلقى برنامج جد مهم لمستقبل أميركا مثل هذا الاهتمام القليل. وفي هذا الصدد قال لوك شايفر، الخبير في الفقر بجامعة ميشيغن: «بالنسبة لي، إنه الشيء الأكثر ثورية الذي يناقَش حالياً، ومع ذلك فلا أحد يتحدث عنه».

الجزء الأساسي، ضمن خطة محاربة فقر الأطفال، هو توسيع الائتمان الضريبي للطفل ليصل إلى 3600 دولار في السنة عن الأطفال الصغار، وهو ما من شأنه أن يكلّف ما يصل إلى 120 مليار دولار سنوياً، والأهم من ذلك أن يصرف شهرياً للأسر التي تكسب أقل من المبلغ الذي يستوجب دفع الضرائب. ولا شك أن حتى مبلغاً متواضعاً مثل 3600 دولار يمكن أن يُحدِث فرقاً بالنسبة لكثير من الأسر ذات الدخل المنخفض. وأحد الأسباب للاعتقاد بأن هذا سيكون ناجحاً جداً هو أن الكثير من البلدان الأخرى استخدمت استراتيجيات مماثلة لتقليص فقر الأطفال بهامش كبير. فمقاربة كندا قلّصت فقر الأطفال بـ20 إلى 30 في المئة، اعتماداً على الجهة التي تقوم بالإحصاء، وبريطانيا في عهد توني بلير نجحت في تقليص فقر الأطفال بالنصف.

ولا شك أن لا شيء من هذا مضمون وسهل، والمؤكد أن المساعدات المالية الشهرية لا تحلّ كل المشاكل. فطفل واحد من كل ثمانية أطفال يعيش مع والد يعاني من إدمان المخدرات. ولئن سبق لي أن رأيتُ عدة أسر تسعى جاهدةً لفعل ما بوسعها من أجل أطفالها رغم أنها مسحوقة في وظائف ذات داخل منخفض، فقد زرتُ ذات مرة منزلاً في ولاية أركانسو حيث كان لدى ولد ثلاثة أجهزة تلفاز في غرفة نومه، لكن لا طعام في المنزل. وعليه فلنكن صادقين: إن الائتمان الضريبي للطفل من شأنه أن يساعد كثيراً، لكننا بحاجة أيضاً إلى برامج زيارة المنازل، وتعليم عالي الجودة في مرحلة ما قبل المدرسة، ومعالجة الإدمان، ووسائل دعم أخرى للأمهات والآباء، وجهود جادة لمحاربة تشرد الأسر، ومبادرات لمساعدة الوالدين في الحصول على وظائف أحسن بطرق تنتشلهم وأطفالهم من الفقر.

قد تعتقد أن هذا مكلِّف جداً، لكن إحدى الدراسات البارزة تشير إلى أن فقر الأطفال يكلّف الولايات المتحدة حوالي تريليون دولار سنوياً من حيث تقلص إنتاجية الكبار، وتفشي الجريمة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. وبالتالي، فإن السؤال ليس هو ما إذا كانت أميركا تستطيع تحمّل كلفة مساعدة الأطفال؟ وإنما هو: هل تستطيع تحمل كلفة عدم القيام بذلك؟

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …