بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي – الاتحاد
الشرق اليوم- آخر فصول الانقسام غير المسبوق في الولايات المتحدة الأميركية هو فشل «الديموقراطيين» في محاولة محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب في مجلس الشيوخ، بتصويتٍ برأ ترامب من التهم الموجهة له وطوى صفحة من صراعٍ سياسيٍ داخلي أميركي سيستمر مستقبلاً.
كان الهدف هو القضاء على مستقبل ترامب السياسي وليس على إرثه فحسب، وتصريحات ترامب بعد البراءة توضح أنه يركز حالياً على مستقبله السياسي ومستقبل التيار العريض الذي خلقه وقاده داخل الحزب «الجمهوري» وله مؤيدون وصلوا إلى خمسة وسبعين مليون أميركي، وهو رقمٌ ضخمٌ بكل المقاييس، ومحافظة ترامب عليه كفيلة بجعل هذا التيار مؤثراً بقوة في المشهد السياسي الأميركي ومستقبل الولايات المتحدة.
طبيعي أن يهتم العالم بانتخابات أميركا وانقساماتها السياسية، فأميركا أقوى دولة في العالم وفي التاريخ، وتوجهاتها السياسية تهم الجميع، حلفاء كانوا أم أعداء، ولكن الذي يستدعي الاستغراب هو انخراط بعض العرب في ذلك الصراع وكأنهم أميركيون أكثر من الأميركان أنفسهم، حدث هذا في الجانبين، من يؤيدون ترامب ومن يؤيدون «الديموقراطيين»، في صراعٍ لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
الدول تتعامل بمنطق المصلحة، ولا يعنيها كثيراً من يكون في سدة الحكم في دولة أخرى، فهي تتعامل مع أي كان لتحقيق المصالح وتعزيزها وتقليل الخسائر وتخفيفها، وهو شأن السياسة في كل زمان ومكان، ولكن الذي ينبغي التركيز عليه هو قراءة التأثيرات المستقبلية على هذه الدول وشعوبها ونخبها، وما يمكن أن تؤدي إليه نتائج اليوم في المستقبل.
في مسألة الإسلام السياسي وجماعاته وخطابه وأيديولوجيته، فقد صنفت الدول العربية المهمة مثل الإمارات والسعودية ومصر هذه الجماعات، وعلى رأسها الجماعة الأم جماعة «الإخوان»، جماعاتٍ إرهابيةٍ مدانة بقوة القانون وملاحقة بسلطة الدولة، وهي خطوة تاريخية في الاتجاه الصحيح، وهو توجه يحظى بزخمٍ متزايد، ولكن التاريخ لا يتحرك باتجاه واحدٍ دائماً، بل هو يتحرك صعوداً وهبوطاً بمنحنيات تتفاوت حدة تذبذبها.
ثمة اتجاهان في الدول الغربية الحليفة للدول العربية، الأول، هو النموذج الفرنسي الذي وجد أن هذه الجماعات أس البلاء، وهي خلف كل مظاهر الكراهية والإرهاب، وبدأ في اتخاذ إجراءات عملية ضدها وضد حضورها وتأثيرها داخل فرنسا وخارجها، وهو ما عرّض فرنسا لهجمات منظمة على المستوى الدولي شعبياً ودينياً بوصفها تعادي دين الإسلام، والنموذج الثاني، هو نموذج اليسار العالمي، والذي يصر على مواصلة التحالف القديم مع هذه الجماعات وضرورة استغلاله والاستفادة منه وتوظيفه سياسياً، وهو نموذج صاعدٌ في الفترة الحالية.
ما يجب الانتباه له هو أن مراكز ثقل جماعات الإسلام السياسي التي انتقلت إلى الدول الغربية ستعمل في المرحلة القادمة بالتحالف مع اليسار على استعادة قوتها داخل الدول العربية ودعم أي ضغوطٍ يمكن أن يمارسها الغرب على هذه الدول، طمعاً في الحصول على مكتسباتٍ جديدةٍ بعد عقد من الخسائر المتوالية وافتضاح هذه الجماعات وانكشاف مشاريعها بشكل جليٍ.
ما يغفل عنه هذا النموذج الثاني، اليساري «الإخواني»، هو أن رفض الإسلام السياسي لم يعد نخبوياً فقط، بل أصبح تياراً شعبياً جارفاً، فقد رأي الناس كل شرور هذه الجماعات بعد انتعاشها فيما كان يُعرف بالربيع العربي، والمثل العربي يقول: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك.
أخيراً، فليس أكثر خطأ من أن ينخرط بعض العرب في الصراع السياسي الأميركي الداخلي، وكأنهم جزء منه، بينما الأفضل هو قراءة المشهد ومعرفة التوجهات والتأثيرات على دولنا وشعوبنا لأن هذا التوجه توجه عملي يتعامل مع الأحداث بواقعية وعقلانية تدفع التفكير إلى ما يجدي وينفع.