الرئيسية / مقالات رأي / الفضاء السيبراني.. والديمقراطية الأمريكية

الفضاء السيبراني.. والديمقراطية الأمريكية

By: Thomas Friedman – The New York Times

الشرق اليوم- عُزل دونالد لأنه حاول نسف نتائج انتخاباتنا الأخيرة، ولكن ينبغي أن نكون على يقين بأنه بغض النظر عما سيحدث في محاكمته، فإن السلاح الذي استخدمه ما زال متاحا لآخرين ليستخدموه بحرّية. إنه مجال يدعى «الفضاء السيبراني» – حيث نحن جميعا مترابطون ولكن حيث لا أحد يتولى المسؤولية عنه.

ترامب، وخلافا لأي زعيم من قبله، استغل هذا الفضاء لنشر الأكاذيب، وإضعاف الثقة في نظامنا الانتخابي، والتشجيع على شن هجوم على مبنى الكونجرس الأميركي. ولهذا، فإننا في حاجة إلى علاج ديمقراطي للفضاء السيبراني بسرعة.

لم نعرف كيف نوصل قيمنا الديمقراطية إلى الفضاء السيبراني لتحسين نمونا واستقرارنا. علما بأننا نحن مخترعو الإنترنت!

والحال أننا إذا لم نجد طريقة لمعالجة هذا الأمر بسرعة، فإننا سنتخلف عن الصين اقتصاديا لأن الوباء سرّع رقمنة كل شيء بشكل دراماتيكي، جاعلا الفضاء السيبراني أكبر وأهم من أي وقت مضى.

اليوم، بدأ الفضاء السيبراني يشبه دولة-أمة ذات سيادة، ولكن بدون حدود أو حكامة. دولة لديها أنظمة اتصالات مشفرة خاصة بها، مثل «تيليغرام»، تقع خارج نطاق سمع الحكومات الأرضية؛ ولديها منصات لجمع الأخبار العالمية وتقاسمها، مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر. بل ولديها حتى عملات خاصة بها – البيتكُويْن وغيرها – لم تقم بسكها أي دولة ذات سيادة.

في السنوات الأخيرة، تكاثرت كل هذه المنصات بشكل كبير. منصات تستطيع رفع أصوات مهمة لم تسمع أبدا من قبل؛ ولكنها تستطيع أيضا تمكين امرأة تؤمن بنظريات مؤامرة، من قبيل أجهزة ليزر في الفضاء واستخدمت لإشعال حرائق الغابات، من التواصل مع عدد كاف من الناخبين مكنها من أن تصبح عضوا في الكونجرس. وتستطيع خلق حركات جماعية مدافعة عن المساواة العرقية وحقوق النساء، وأيضا خلق حشود لمنع عمليات التطعيم ضد كوفيد 19 أو عرقلة عملية انتقال السلطة المقدسة في البلاد.

وعليه، فإن أكبر سؤال في العلوم السياسية في العالم اليوم هو ما هو السبيل إلى أخذ أفضل ما في الإنترنت وحماية أنفسنا من أسوء ما فيها. الصين وأميركا وأوروبا لديها جميعا استراتيجيات مختلفة؛ ولكنني أميل إلى الاستراتيجية الأوروبية.

لماذا؟ لأنه في الوقت الذي بدأ فيه الفضاء السيبراني يصعد إلى الواجهة باعتباره مكانا حيث نحن جميعا متصلون به ولكن حيث لا تتولى المسؤولية فيه أي حكومة، اعتبره الحزب الشيوعي الصيني تهديدا للسلطة وللنظام والاستقرار في بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة.

وهكذا، أنشأت الصين وزارة خاصة – «إدارة الفضاء السيبراني الصينية» – لتنسيق كل القوانين واللوائح التنظيمية الحكومية لفضائها السيبراني. مجرى دم عالمي عالي السرعة يستطيع أي شخص إدخال فيروس خطير بدون لقاح».

وللأسف، كان مشرّعونا عالقين في حالة شلل بسبب الحزبية، أو مستفيدين من تبرعات مالية من جهات لا مصلحة لها في التقنين والتنظيم، أو يميلون هم أنفسهم إلى استخدام هذه المنصات. وكانت المنصات تقول: «لا تلومونا، بل نظّمونا»؛ ولكنها كانت جميعها تستخدم قوتها الكبيرة في الضغط السياسي لمقاومة ذلك.

والنتيجة هي أنه «إذا كان الصينيون قد صمّموا تكنولوجيات رقمية واستخدموها  فإن الغرب ظل مهدَّدا وحائرا»، كما كتبت زوبوف الشهر الماضي في «نيويورك تايمز»، مضيفة «وهذا الفشل خلّف فراغا حيث ينبغي أن تكون الديمقراطية، والنتيجة الخطيرة هي انجراف على مدى عقدين نحو أنظمة مراقبة خاصة وضبط السلوك خارج إكراهات الحكامة الديمقراطية».

ولهذا آملُ الآن أن الاتحاد الأوروبي، الذي يشعر بالقلق إزاء السلطة الهائلة لهذه الشركات الأميركية الكبيرة، وأرغم محركات بحث مثل غوغل على منح مواطني الاتحاد الأوروبي حق حذف مواد غير لائقة أو غير دقيقة تتعلق بهم على الإنترنت من عمليات البحث، ولديه حساسية أكبر تجاه مخاطر التنظيمات الهامشية، سيستخدم قوته بوصفه أكبر تكتل تجاري في العالم ليرينا كيف يوصل قيمنا إلى الفضاء السيبراني بشكل ديمقراطي.

رامش سرينيفاسان، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس ومؤلف كتاب «ما وراء الوادي (وادي السيليكون)»، قال لي إن أميركا في حاجة ماسة وعاجلة إلى أن تحذو حذو الاتحاد الأوروبي من خلال تبني ميثاق حقوق رقمية «يحدِث التوازن الصحيح بين حرية التعبير والخواريزميات التي تجعل خطاب الكراهية والمعلومات المغلوطة المستقاة من مصادر غير جديرة بالثقة تنتشر انتشارا واسعا على الإنترنت».

ولهذا، علينا أن نوصل قيمنا الديمقراطية إلى الفضاء السيبراني بشكل فعال مثلما أوصلت الصين قيمها الخاصة بها إليه، وعلينا أن نفعل ذلك بسرعة. رجاء أوروبا، دلّينا على الطريق!

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …