بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تنتظر الصين ومعها العديد من دول العالم، الخطوات العملية التي سيُقدم عليها الرئيس الأمريكي بايدن تجاه بكين وشركاتها الكبرى وفي مقدمتها “هواوي” التي خضعت لضغوط غير مسبوقة في عهد إدارة ترامب التي قامت في 15 مايو / أيار 2019، بتوقيع أمر تنفيذي يتعلق بتأمين تكنولوجيات الإعلام والاتصال وكل السلسلة اللوجستية المرتبطة بها، من أجل وقف التعاون التكنولوجي مع الصين وحرمان “هواوي” من الاستفادة من خدمات شركات التكنولوجيا الأمريكية وفي طليعتها “جوجل”، وذلك في سياق الحرب الاقتصادية التي فجّرتها واشنطن مع بكين، بسبب تقنية الجيل الخامس للاتصالات التي تمتلك “هواوي” بشأنها أكبر نسبة من براءات الاختراع.
ويُعبِّر هذا الصراع المتعلق بالجيل الخامس عن مخاوف الدول الغربية المرتبطة بالتحوّلات التكنولوجية التي سيشهدها العالم في سياق نموذج شبكة فائقة السرعة ستكون له فائدة كبرى بالنسبة لإنترنت الأشياء المتصلة عبر تقنية ستسمح بإحداث ثورة في أسلوب تعامل الإنسان مع الواقع الافتراضي، وستتيح للأشياء لاسيما السيارات، التحرك بناء على خاصية القيادة الذاتية، خاصة أن “هواوي” استطاعت أن تحتل في السنة الماضية مركز الصدارة في مجال تكنولوجيا الاتصالات، على الرغم من العقوبات الأمريكية.
تؤكد هذه المعطيات أن العقوبات الأمريكية على “هواوي”، حتى وإن كانت تبدو اقتصادية إلا أنها تحمل في جوهرها بُعداً جيوسياسياً لا يرتبط فقط بدواعي الأمن السيبراني؛ لأن الصعود والسقوط في مجال التقنية يحدث بسرعة هائلة، فقد تغيّر مشهد عالم التقنية في أقل من عشر سنوات، حيث صعدت شركات إلى القمة واختفت شركات أخرى فجأة؛ الأمر الذي أسهم في إحداث تغيرات كبرى على مستوى التوازنات الدولية.
وفي هذا السياق، تفيد بعض التقارير ذات الصلة بشركة “هواوي”، بأن مزاعم إدارة ترامب بشأن المخاطر الأمنية التي تشكلها تقنيات الجيل الخامس الصينية لا أساس لها من الصحة، وذلك بعد أن اجتازت “هواوي” بنجاح، في أغسطس / آب الماضي، اختبار أمن الشبكات الذي تعتمده الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، وبالتالي، فإنه نتيجة لهذا السبق الذي حققته الصين في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، فقد قرّرت الحكومة الأمريكية في منتصف السنة الماضية، إحداث بعض التغيير في طبيعة العقوبات التي تفرضها على “هواوي”، وسمحت للشركات الأمريكية بالتعامل معها في المسائل المتعلقة بتطوير العناصر ذات الأهمية الحيوية في مجال تقنيات الجيل الخامس.
ويُرجع المراقبون هذا التذبذب في السياسية الأمريكية تجاه شركات التقنية الصينية، إلى الآثار العكسية السلبية للعقوبات الأمريكية على الشركات الأمريكية التي تُطوِّر وتُنتج تقنياتها لبيعها وللحصول على عوائد مادية من ورائها وليس لاحتكارها؛ إذ من شأن هذه السياسة الاقتصادية القائمة على الحظر أن تُحوِّل الشركات الأمريكية إلى مصدر تموين غير موثوق بالنسبة للشركاء الأجانب. وفضلاً عن ذلك، فقد نشرت وكالة أخبار أمريكية تقارير تفيد بأن حيازة “هوواي” أكبر عدد من براءات الاختراع المتعلقة بتكنولوجيا الجيل الخامس، سيجعل واشنطن مضطرة إلى دفع أموال لها، لكي تتمكن من توظيف التقنيات المبتكرة من طرف الشركة الصينية.
من الواضح في كل الأحوال أن الحرب الاقتصادية التي تخوضها واشنطن مع بكين، تؤثر بشكل كبير في الشركات الصينية وفي العديد من الأطراف المتعاملة معها، خاصة في ما يتعلق بتكنولوجيات أشباه الموصلات التي مازال يصعب على الصينيين حتى الآن، تصنيعها محلياً. بيد أن الاقتصاد الأمريكي لا يستطيع أن يتخلى في المقابل عن المزايا العديدة التي توفرها السوق الصينية التي مازالت تمثل أكبر مستهلك للتقنية الأمريكية في العالم.
ويمكن القول في الأخير، إن الرئيس بادين، حتى وإن كانت المعطيات تشير إلى أنه لن يتخلى عن سياسة الضغط على بكين، في سياق ما وصفه مؤخراً بالمنافسة الشرسة معها، إلا أنه سيعدِّل من قواعد الاشتباك الاقتصادي معها حفاظاً على مبادئ حرية التجارة التي يؤمن بها الديمقراطيون، كما أنه سيتعامل بطريقة مغايرة مع قضية اعتقال المديرة المالية لشركة “هواوي” في كندا؛ إذ إن التحوّل في أسلوب السياسة الخارجية لواشنطن سيكون واضحاً، حتى وإن كان علينا الاعتراف بأن التغيرات في المضامين ستبقى متواضعة إلى حد بعيد.