الرئيسية / مقالات رأي / محاكمة رئيس .. ومستقبل نظام

محاكمة رئيس .. ومستقبل نظام

بقلم: د. محمد السعيد إدريس – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – محاكمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي بدأت في مجلس الشيوخ، الثلاثاء الفائت، واستمرت حتى اليوم الجمعة، ومن المقرر أن تستأنف الأحد المقبل، يصعب التعامل معها باعتبارها محاكمة عادية لرئيس أخطأ في حق “القسم الدستوري”، أو حتى باعتبارها محاكمة  لمحاولة “اقتحام الكابيتول” التي قادها هذا الرئيس؛ ليفشل إجراءات تنصيب منافسه في الانتخابات الرئاسية جو بايدن يوم الأربعاء الشهير السادس من يناير / كانون الثاني الفائت؛ لكن يجب أن يُنظر إليها من منظور تداعياتها المحتملة سواء في حال نجاح الديمقراطيين في إدانته، بما يعنيه ذلك من انحياز 17 عضواً جمهورياً بمجلس الشيوخ لهذه الإدانة على الأقل، أو في حال فشل حدوث مثل هذه الإدانة بتماسك الأعضاء الجمهوريين الذين يسيطرون على 50 مقعداً في المجلس (نصف الأعضاء)، حول رئيسهم السابق وحزبهم.

في الحالتين ستحدث نتائج مهمة ستؤثر بقوة في النظام السياسي الأمريكي، الذي قد يشهد، في السنوات القليلة القادمة وبالتحديد حتى عام 2024 موعد إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة، تطورات يمكن أن نتجرأ ونصفها بأنها “تطورات انقلابية” بكل معنى الكلمة، الأمر الذي يجعلنا على ثقة بأن المحاكمة الحالية لترامب من شأنها بنتائجها “الصعبة” المحتملة أن تكون أشبه بمحاكمة النظام السياسي الأمريكي كله وطبقته الحاكمة، والنظام الحزبي الثنائي في القلب منه.

ففي حالة نجاح الديمقراطيين في إنهاء المحاكمة بقرار يدين الرئيس ترامب، أي بحصول تصويت الإدانة في مجلس الشيوخ على أكثر من ثلثي أعضاء المجلس (67 صوتاً على الأقل)، فإن هذا لن يحدث إلا بتصويت أعداد كبيرة من الأعضاء الجمهوريين لمصلحة الإدانة، ما يعني حدوث انقسام داخل الحزب الجمهوري، قد يؤدي إلى نهايته. فالأعضاء الذين سيرفضون المحاكمة سيكونون في هذه الحالة أقرب إلى التوحد “العقلي” و”العملي” مع ترامب والجماعات اليمينية العنصرية المتطرفة، وإذا كانت الإدانة ستعني إنهاء فرص ترامب في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، فإن هناك العشرات ممن هم أكثر تطرفاً من ترامب نفسه، مؤهلين لقيادة هذا التيار الذي ربما يحول الحزب الجمهوري إلى حزب يميني عنصري متطرف، وعلينا أن نتذكر تهديدات رئيس الحزب الجمهوري في ولاية تكساس، عندما فشلت محاولة الولاية مع المحكمة الاتحادية العليا لإبطال نتائج الانتخابات في الولايات الثلاث التي توصف بالمتأرجحة بدواعي أن هذه النتائج مزورة لمصلحة المرشح الديمقراطي جو بايدن، فقد هدد بانسحاب الولايات المؤيدة للرئيس السابق ترامب من الاتحاد الفيدرالي المؤسس للولايات المتحدة، ما يعني تفكيك الولايات المتحدة وانشطارها إلى ولايات متعددة.

قد يكون هذا التهديد بتفكيك الولايات المتحدة متجاوزاً للواقع؛ لكن لا يخلو من مخاطر حقيقية في ظل وجود قاعدة موضوعية ومادية لاحتمال تفجر الولايات المتحدة من داخلها، من أبرزها ثلاثة أسباب هيأت الفرص للحدث المروع الذي حدث بالاقتحام الدامي للجماعات اليمينية المتطرفة لمبنى الكونجرس، وإهانتها لأحد أهم رموز وأعمدة النظام السياسي الأمريكي.

هذه الأسباب التي رصدتها مجلة “التايم” الأمريكية في تقرير نشرته يوم السبت (2021/1/16)، هي التي أعطت لحدث اقتحام الكونجرس مدلولاته الخطرة، خاصة دعم فكرة أن أعمال الإرهاب التي تعرض لها الكونجرس، لم يتم الإعداد لها منذ سنوات فقط؛ بل منذ عقود؛ بسبب تجاهل المجتمع الأمريكي والنظام السياسي الأمريكي لها، ما أدى إلى تفاقمها، وهي: الإرث الدائم للعرق والعنصرية أولاً، والطبيعة المتغيرة للرأسمالية الأمريكية ثانياً، وأخيراً انقسام المشهد الإعلامي الجماعي في الولايات المتحدة.

ثلاثة أسباب مهمة تستدعى المزيد من التأصيل والدراسة والتحليل؛ لأنها تتضمن المداخل المحتملة لمستقبل النظام السياسي الأمريكي كله إذا لم يتحرك النظام؛ بل وكل المجتمع الأمريكي لاحتوائها، وفي مقدمة هذا الاحتواء تلك التداعيات المحتملة لمحاكمة ترامب سواء في حالة نجاح إدانته أو فشلها.

احتمال نجاح إدانة ترامب سيفاقم من انقسام الحزب الجمهوري، ويؤدي إما إلى ذبوله وظهور حزب جديد بديل للجماعات العنصرية المتطرفة التي ستتخذ من رفضها لإدانة ترامب عنواناً لتأسيس حركة سياسية جديدة تكون قادرة على تولي القيادة مستقبلاً في الولايات المتحدة، وإما أن يتحول هذا الحزب بعد انقسامه بالأغلبية المتشددة داخله، الرافضة لإدانة ترامب إلى وعاء لاحتواء حركة التطرف العنصرية، وفرض تغيير جذري في هويته وأهدافه، بما يقوده حتماً إلى فرض تغييرات موازية في النظام السياسي.

أما في حال فشل الديمقراطيين في الحصول على 17 صوتاً على الأقل من الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ، فإن الحزب الجمهوري قد يحافظ على وحدته، لكنه سيكون، في هذه الحالة، أقرب إلى جماعات دونالد ترامب، خصوصاً وأن فشل إدانته سيجدد طموحاته للترشح مجدداً لانتخابات الرئاسة القادمة، وعندها ستتحول علاقة التفاعل بين الحزبين إلى علاقات صراعية. هذا التحول معناه عرقلة فرص الرئيس جو بايدن لتحقيق برنامجه السياسي الإصلاحي، ومن شأنه أن يجعل السنوات الأربع المقبلة من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية سنوات مفعمة بالاضطرابات والانقسامات، التي ستغذي حتماً دوافع التطرف وتهدد مستقبل النظام السياسي الأمريكي كله.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …