بقلم: جويس كرم – الحرة
الشرق اليوم- حظر الصين لقناة “بي.بي.سي” البريطانية يوم الخميس ليس بالمفاجئ، إنما يعكس مدى حساسية بكين التي تريد اليوم أن تظهر على شكل القوة العظمى والجبروت العالمي، وهي في نفس الوقت غير قادرة على تحمل أي انتقادات من الخارج.
الحجب جاء بعد اتهام السلطات الصينية ل “بي.بي.سي.وولرد نيوز” بانتهاك قواعد البث “بشكل خطير”، وتحديدا بعد بث المحطة تقارير عن تفشي فيروس كورونا واضطهاد أقلية الإيغور تنقض مزاعم الصين. التقرير الأول، الذي تم بثه في ديسمبر، يكشف القصة الحقيقية للتفشي القاسي لوباء كورونا في الصين، وهي مخالفة لرواية بكين في بداية الجائحة، والوثائق الثاني، الذي عرض الأسبوع الفائت، يتحدث عن حالات مزعومة من الاغتصاب في مخيمات الإيغور المسلمين، والتي بنتها بكين “لإعادة تثقيف” هؤلاء، وهي بحسب التقرير تعج بالانتهاكات.
وردا على التقارير، تعاطت الصين مع “بي.بي.سي”، وهي من أكبر محطات الأخبار الدولية بجمهور يتخطى الـ390 مليون، كما تتعاطى مع فايسبوك وتويتر وإنستاغرام وغوغل، الممنوعين من قبل السلطات الصينية.
منع “بي.بي.سي” سيرتد عكسيا على الصين، ففقد شاهد وثائقي كورونا والإيغور الملايين حول العالم، والمعلومات التي استقتها المحطة البريطانية أتت بشكل سري أحيانا من مخيمات إقليم شينيانغ، ومن علماء وأطباء سربوا وثائق للمحطة. هذا وهناك الكثير من هم داخل الصين قادرون على خرق الحظر عبر تكنولوجيا الـ”VPN” أو خدمات إرسال خارجية.
فحظر النبيذ الأسترالي في الصين بفرض جمرك قيمته 200 في المئة هو أسهل بكثير من منع معلومات تبثها “بي.بي.سي” في عصر منصات رقمية، يصعب على السلطات في بكين حجبها أو اختراقها.
ولنفرض، أن الصين نجحت في حجب محتوى “بي.بي.سي” بالكامل حتى عبر أطراف ثالثة، وهو أمر غير منطقي، فماذا عن وسائل الإعلام الدولية الأخرى وبعضها نقل شهادات مماثلة لـ”بي.بي.سي” من مخيمات الإيغور. فهل ستمنع الصين وكالات الأنباء العالمية ومحطات التلفزة الدولية المستقلة والمجلات التي ستنشر ما لا يليق لحكومتها؟ هكذا نهج قمعي سيتضارب مع توجه الصين بالانفتاح عالميا. فهل تريد بكين العودة إلى عزلتها ما قبل التسعينات؟
الانفتاح اقتصاديا وسياسيا غير ممكن وسط قمع المحطات الدولي، والمملكة المتحدة ليست دولة مارقة أو منظمة مأجورة يمكن للصين الضغط عليها لإغلاق محطة أو وقف بث برنامج. هذا التناقض بين تطلع الصين لتكون دولة منفتحة تبني مرافئ وطرق “الحرير” وتصل قارات، وبين إصرارها على ممارسة الرقابة على من هم في الداخل والخارج سيكبل طموحها العالمي.
من المثير للاهتمام أن منع “بي.بي.سي” جاء بعد تبرئة منظمة الصحة العالمية للصين هذا الأسبوع واستنتاجها بأن كورونا على الأرجح لم يتسرب من مختبرات ووهان. المشكلة في هذا الاستنتاج أن المنظمة الدولية أخطأت في الماضي والصين أخفت معلومات عنها بشكل أجل الرد على الجائحة، وساهم اليوم بالوصول إلى أكثر من مليوني وفاة عالميا.
استنتاج منظمة الصحة العالمية يروق للصين فيما تقارير “بي.بي.سي” تغيظها، هو عنوان أزمة بكين والعالم في المرحلة المقبلة، وتحديات الليبرالية الديمقراطية أمام العملاق الاقتصادي.