بقلم: عمر علي البدوي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- تتسبب معضلتان في عدم قبول الشعب اليمني والمحيط العربي للمكون الحوثي ضمن نسيج اليمن، أو التسليم بسيطرته على العاصمة صنعاء في مسعاه لترسيخ نفوذه وتحصيل شرعية محلية وإقليمية ودولية على أساس الأمر الواقع الذي يتبناه.
المعضلة الأولى هي كونه يتحرك بدافع عقيدة جرى تفخيخها بالمحتوى المستقطب من تجربة الخميني، إذ يخضع مجندوه وأشياعه لمناهج تدريب وتعليم صنعت في مطابخ الحرس الثوري ويتم تدريبهم عليها بأيدي منتسبين لحزب الله اللبناني.
عقيدة أيديولوجية مشوهة تخلط بين خلفية إمامية مستعادة من زمن خارج التاريخ تصنّف الشعب الواحد بين مستعلٍ ومستضعف، مع منطق حركي بتأثير من إيران أعاد تعريف المذهب الزيدي وألحقه بالاثني عشرية بعد توقف انتقالي مؤقت في المذهب الجارودي.
يبدو المشهد الفكري للجماعة معقداً في تحولاته ونتائجه، لكنه انتهى إلى مسخ مشوه يملأ أذهان المجندين ويطبق على تفكيرهم.
المعضلة الأخرى هي التزامه بالأجندة الإيرانية البحتة، حيث يجري التصعيد أو التبريد بتوجيه من سلطة المستعمرات الإيرانية، ويخضع هذا الارتهان لمساومات من شأنها أن تحقق مصالح الراعي الإيراني وليس اليمني بطبيعة الحال.
كان من الواضح بالنسبة إلى ميليشيا الحوثي منذ أضحت على مشارف صنعاء بعد سقوط سريع ومدوّ لعمران والجوف في يديها، أنها تمتلك خطة للتمدد في صنعاء على طريقة “حزب الله” في لبنان بالتحالف مع الخصوم التاريخيين ورفض أي تصرف يمكن أن يقوض خطتها، ولو اضطرت إلى سحقه وسحله في شوارع اليمن كما فعلت مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبمجموعة من شيوخ وزعماء قبائل يمنية أرادت أن تتزحزح عن قبضتها.
عبث بالمناهج الدراسية وتجنيد للأطفال وتكميم للأفواه وترويج للدعايات الدينية المسمومة واستثمار في سردية المظلومية، الكثير من التفاصيل التي تتقاطع مع كل المشاريع الاستيطانية الإيرانية في البلدان العربية التي سبق واستباحها نفوذ طهران وحرسها الثوري.
في مسعى لاحتواء الانقلابيين شجّع التحالف العربي على تقليص الحوثيين لطموحهم، بإعلان الرياض أكثر من مرة أن الجماعة الحوثية جزء من النسيج اليمني لا يمكن إلغاؤه، لكن في المقابل عليها القبول بالآخرين للمساهمة بالحل وتقاسم السلطة مع بقية المكونات الوطنية.
الآن هل تستطيع الجماعة الحوثية التخلص من هاتين المعضلتين لإعادة اكتشاف نفسها وتوطين مشروعها ضمن المجموع اليمني؟ يبدو ذلك مستبعدا لأن تبنّيها يعطي مبررات وجودها وشروط استمرار دعمها من الراعي في طهران.
وبالمقابل فإن مساعي إدماجها في النسيج الوطني تعرضها للتحلل لأن معايير حساب التأثير والنفوذ على أساس التصويت والانتخاب والتنافس المتحضر تقلص من حضورها، من واقع أنهم فصيل صغير لا يشكل كتلة وازنة ولا مؤثرة ويقوم بتعويض ذلك عبر الأدوات غير النزيهة في اللعبة السياسية.
هل يعني ذلك نهاية السؤال عن فرص احتوائها والقبول بها إلا في شكل ميليشيا قابضة على السلطة بقوة السلاح والتغلب؟
لنتأمل الحالة اللبنانية التي تعطي نموذجاً للسيطرة بفوهة السلاح.
البلد مشلول تماماً، كل محاولات إنعاشه فاشلة والمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي انفضّ عنه تماماً، كل المحاولات والمبادرات انتهت إلى طريق مسدود وسجلت انسحاباً صارخاً من المشهد بعد أن ابتليت بالفشل.
المجتمع يئن والميليشيا التابعة لإيران لا تأبه، وصل الخطر إلى أبواب الناس ومعاشهم ومستقبل أبنائهم وأضحت الهجرة حلم كل اللبنانيين وتتسبب الكوارث غير المتوقعة في زيادة العبء على الناس وإمعان الميليشيا في الانفصال عن الواقع.
هذه السطور بكل سوداوياتها كفيلة بإعطاء النتيجة، وكافية لفهم الواقع والمآل المتوقع لمثيلاتها.
وفي حال تسريع عملية إنهاء الأزمة اليمنية، كيف سيجري التعامل مع الحوثيين؟
عينت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مساعد وزير الخارجية تيموثي ليندركينغ لمنصب المبعوث الخاص إلى اليمن. وقد لاقى هذا التعيين ترحيبا يمنيا كبيراً، كما أعرب مجلس التعاون الخليجي بدوره عن ترحيبه بهذا القرار معتبراً أنه سيشكل إضافة إيجابية للجهود الإقليمية والدولية للوصول إلى الحل السياسي الذي ينشده مجلس التعاون وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216.
مع هذه التحولات الكبيرة لطي ملف الأزمة اليمنية، هل يمكن أن يستثمر ثقل المشاركة الأميركية في إقناع الحوثيين بقبول الحلول الدبلوماسية بديلاً عن القتالية؟
حتى الأيام الأخيرة الماضية لا تبدو الجماعة الانقلابية مستعدة للتنازل عن مشروعها، كمية الاستهداف التي تم التصدي لها في الأجواء السعودية والهجوم الشرس على مأرب يكشفان حجم الانعكاس السلبي للمجهود السياسي المبذول على المستويات الدولية في الملف اليمني.
لا يمكن القول إن الإشارات فُهمت خطأً، بل اتخذت الجماعة الحوثية قراراً برفض هذه الدعوات وأنها استجابة لأوامر إيرانية ترفع من سقف ما تطمع لتحقيقه، ولن تقبل بأقل من إقصاء بقية المكونات وشجب كل عمليات التسوية والشراكة وأن تنفرد بحكم اليمن والتغلب على ترابه وشعبه ومصيره.
هل نملك ما يفتّت هذه العنجهية والصلابة؟
الواقع يقول إنه لا يسعنا إلا استمرار الضغط وتجريد الميليشيا من أدوات القوة الطاغية وقطع إمدادها بأسباب التصلب والتعنت.
وأن مجرد التواصل مع إيران مع التوقف عن ممارسة الضغط عليهم سيزيد من تعقيد الملف ويحبط كل محاولات إنهاء الأزمة، لأن طهران ستوظف كل ذلك لصالح مشاريعها القومية وبيادق في خارطة أسلحتها غير النظامية.