افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – بدأت قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني، المعتقل في موسكو تأخذ أبعاداً سياسية جديدة تبدو وكأنها أقرب إلى “الحرب الباردة” مع أوروبا، وتهدد بمزيد من التأزم في وقت تدخل العلاقات بين موسكو وواشنطن مساراً ملتبساً في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، التي بدأت تعد لمرحلة من العلاقات مع الكرملين لا تبدو أنها ستكون سلسة وطبيعية، خصوصاً بعد التصريحات التي أدلى بها بايدن في مبنى وزارة الخارجية قبل أيام وتوعد فيها موسكو بأن “الزمن الذي كانت تخضع فيه الولايات المتحدة لأفعال روسيا العدوانية قد ولىّ”، فيما قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن الولايات المتحدة “ستحاسب روسيا على مجموعة من الأنشطة الخبيثة”، من دون أن يحددها، حيث اعتبر الكرملين هذه المواقف “عدوانية جداً وغير بناءة ومؤسفة”.
القرار الروسي بطرد دبلوماسيين ألمان وسويديين وبولنديين على خلفية ما تبرره موسكو بمشاركتهم في تظاهرة غير مرخصة لدعم نافالني في العاصمة الروسية، ورد هذه الدول بإجراءات مماثلة، وضع العلاقات بين الجانبين على حافة الهاوية، خصوصاً أن العلاقات بينهما هي في الأساس غير سوية على خلفية عقوبات اقتصادية متبادلة إثر قرار موسكو ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.
حاول الاتحاد الأوروبي لملمة القضية والبحث عن مخرج لتفادي الأسوأ، والأسوأ ليس في مصلحة الطرفين، لأن الإجراءات الانتقامية المتبادلة فيها خسارة سياسية واقتصادية للجانبين. وعندما تم إرسال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى موسكو خلال الأسبوع الماضي كان ظن الاتحاد الأوروبي أن موسكو سوف تقبل بالحل الذي تريده أوروبا، في حين أن موسكو ترى أن قضية نافالني “مفبركة” من الأساس، وهي تستهدف الضغط عليها لتقديم تنازلات.
لذلك لم ينجح بوريل في مهمته، وأعرب عن قلقه “لأن موسكو رفضت البدء بحوار بناء مع الاتحاد”، داعياً القادة الأوروبيين “إلى أخذ العبر من ذلك”، ما سيؤدي في نهاية الأمر إلى فرض عقوبات، وهو ما سيناقشه وزراء الخارجية في 22 فبراير / شباط الحالي، لكن قرار فرض عقوبات على موسكو دونه عقبات، إذ إنه يحتاج إلى إجماع غير متوفر، خصوصاً أن هناك أصواتاً أوروبية تدعو لإعادة النظر في مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم-2” وهو ما تصرّ عليه ألمانيا، إضافة إلى أن دولاً أوروبية تعارض في الأساس العقوبات الأوروبية على روسيا.
موسكو من جانبها لا ترى أن قضية نافالني تحتاج إلى هذه الضجة، أو إلى أزمة، إذ أعرب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن أمله في “ألا يذهب أحد بحماقة لربط العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بمصير أحد المقيمين في مركز احتجاز”، في إشارة إلى نافالني.
الجانبان الروسي والأوروبي يدركان أنهما يمارسان لعبة خاسرة، وهناك مساحة من الاتفاق تفرضها ضرورة العلاقات والمصالح المتبادلة، قبل أن يبدأ تفعيل سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه روسيا، ويتم جر أوروبا إليها عنوة.