بقلم: هيلة المشوح – الاتحاد الإماراتية
الشرق اليوم- أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن نيّته إنهاء دعم العمليات العسكرية في اليمن ووقف مبيعات الأسلحة المستخدمة في هذه العمليات، في ذات الوقت الذي صرح بأن أميركا ستوفر الدعم الكامل للمملكة العربية السعودية للدفاع عن نفسها وسيادتها، ومن أجل التصدي للتهديدات التي تستهدفها جراء الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي تنفذها المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، وذلك لحماية أمن المملكة وحماية أرواح المدنيين فيها.
وقد تبدو هذه التصريحات متضاربة؛ فالمملكة العربية السعودية، ومعها حلفاؤها، تهدف أولاً من عملياتها في اليمن إلى حماية أراضيها من عبث المليشيات الحوثية التي تعي الولايات المتحدة خطرها جيداً. وقد كررت واشنطن مراراً رفضها لهذه الاعتداءات من الجانب الحوثي، واتفقت مع الرياض مسبقاً على الدعم العسكري، وذلك تحت إدارتين مختلفتين (أوباما وترمب). وهذا فضلاً عن سعي المملكة وحلفائها إلى إعادة الاستقرار والرفاه في اليمن من خلال برنامجها الإنساني (برنامج إعادة الأمل)، الذي تضطلع به منذ بداية العمليات العسكرية للتحالف العربي في 25 مارس 2015.
لكن التناقض حقاً هو ما صرح به وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل أيام حول شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب بعد أن أدرجتهم عليها الإدارةُ الأميركية السابقة. ويتم تبرير الخطوة الحالية بضرورة تسهيل العمل الإنساني وتقديم المساعدات الأساسية للشعب اليمني، حيث تقول منظمات العمل الإغاثي إنها مضطرة للتعامل مع الحوثيين الذين يشكلون حكومةَ أمر واقع في مناطق واسعة من اليمن، بما فيها العاصمة صنعاء، وإن إدراجهم على لائحة الإرهاب سيعرض هذه المنظمات لخطر الملاحقة في الولايات المتحدة! فهل تعكس هذه المبررات قوة السياسة الأميركية في اليمن تحديداً، أم أنها تشكل ضعفاً قائماً على شطب وإلغاء كل السياسات السابقة حتى ولو كانت لصالح أميركا نفسها؟ ويزداد غموض الأمر مع وجود المبعوث الأميركي الجديد في اليمن «ليندر كينغ»، والذي لم يتقدم خطوةً في هذا الملف!
الواقع أن هناك ملفات تعج بالفوضى في الشرق الأوسط وتستحق التركيز الأميركي عليها، وتجاهلها أو الغياب عنها يثير تساؤلات ملحة، ومن ذلك تجنب بايدن إثارة الأزمة السورية المتفاقمة عنفاً مسلحاً وبؤساً إنسانياً. وكذلك الملف النووي الإيراني الذي لم تتطرّق له إدارة بايدن سوى بتلميحات وشعارات ذات مدلولات غامضة تذكّرنا ببداية تعاطي إدارة الرئيس السابق أوباما مع الملف ذاته، والذي تحول بعد ذلك إلى منعطف خطير لا نرجو أن تقع فيه الإدارة الحالية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الآن: هل من المصلحة العليا لأميركا في منطقة الشرق الأوسط أن يبقى اليمن دولة ضعيفة تمزقها الحروب الداخلية وتهيمن عليها الصراعات الأهلية وتتجاذبها المليشيات والتنظيمات الإرهابية كالحوثي والقاعدة، أم أن المصلحة العامة للمنطقة تقتضي الدعم الأميركي التام لعمليات التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية؟
إن الرضوخ لمبررات المنظمات التي تضغط بها على الإدارة الأميركية، والتي بدأت تفضي إلى شطب مليشيا الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية، ليس سوى هدر لجهود سنوات من العمل، وإرضاءٍ غير مبرر من شأنه إعادة اليمن إلى نقطة الصفر بعد ما أحرزه التحالف العربي من تقدم كبير هناك، وما قدمته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة خصوصاً.
نأمل أن تكون الخطوات الأميركية الأخيرة مجرد تعزيز مؤقت لوعود الرئيس بايدن الانتخابية، مع إبقاء المصالح العليا فوق أي مبررات، خصوصاً أن إدارتي أوباما وترمب كانتا مع دعم التحالف، رغم ما يظهر أحياناً من تصريحات قد لا تنسجم مع توجه إدارتيهما في هذا الشأن!