بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي
الشرق اليوم – بين أميركا وإيران، يصلح التساؤل: الكرة في ملعب من … والوقت لمصلحة من؟
ليس ما يشير إلى أنّ الإدارة الأميركية الجديدة على عجلة من أمرها في العودة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الموقع في العام 2015. مثل هذا الموقف الأميركي يزعج إيران التي تتظاهر بأن الوقت يعمل لمصلحتها، في حين أنّ لا هدف لها، في واقع الحال، سوى التخلّص سريعاً من العقوبات الأميركية التي فرضتها عليها إدارة دونالد ترامب.
كان للعقوبات تأثير كبير في اقتصادها. هنا يكمن لبّ المشكلة القائمة بعدما كشفت الإدارة الأميركية السابقة هشاشة التجربة الإيرانية التي عمرها 42 عاماً وفشلها، وهو فشل اقتصادي قبل أيّ شيء. جعل هذا الفشل إيران في وضعها الحالي، أقلّه على الصعيد الداخلي، أسوأ بكثير مما كانت عليه في عهد الشاه محمّد رضا بهلوي.
لا تبدو الإدارة الأميركية مستعجلة رغم أنّ هدفها النهائي العودة إلى الاتفاق مع الأخذ في الاعتبار المستجدات التي طرأت بين العامين 2015 و2021، وهي مستجدات ترفض إيران الاعتراف بوجودها، علماً أنّها واقع يستحيل تجاوزه.
كان الاتفاق النووي أميركياً – إيرانياً بغض النظر عن الشكل المتمثل بمشاركة البلدان الأخرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن فيه، إضافة إلى ألمانيا. لم يتوقف المسؤولون في إدارة جو بايدن، على رأسهم الرئيس نفسه، عن تأكيد أنّ إدارة دونالد ترامب أخطأت في تمزيق الاتفاق وأن الوضع مع إيران، قبل تمزيق الاتفاق في العام 2018، كان أفضل مما هو الآن. تقدّم الإدارة الجديدة عبر وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان الدلائل على أن إدارة ترامب أخطأت وأن الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني كان جيّداً نظراً الى انّه قيّد برنامجها النووي.
مثل هذا الموقف الصادر عن شخصي بلينكن وسوليفان أكثر من طبيعي نظراً إلى انهما لعبا دوراً محورياً في المفاوضات السرّية التي أدت، في عهد باراك أوباما، إلى توقيع الاتفاق الذي سبقه غزل بين وزير الخارجية الأميركي، وقتذاك، جون كيري ومحمّد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني.
من المنطقي أن تدافع الإدارة الجديدة عن الاتفاق الذي تم التوصّل إليه في العام 2015، خصوصاً أنّ هذه الإدارة تبني كلّ سياساتها على ما تعتبره أخطاء ارتكبتها إدارة ترامب. لكنّ الواضح أنّ إدارة بايدن ستجد نفسها، عاجلاً ام آجلاً، مجبرة على الاعتراف بأنّ هناك إيجابيات كثيرة عليها أن ترثها عن ترامب وإدارته وتحافظ عليها، نظراً إلى أنّ ذلك في مصلحتها. ما لا مفرّ لبايدن وإدارته من الاعتراف به، وأن في الغرف المغلقة، أن إدارة ترامب كانت تعرف ايران جيداً وتعرف خصوصاً أنّها نمر من ورق ليس إلّا.
لن تعترف إدارة بايدن، بشكل علني، بأن تمزيق الاتفاق مع إيران كان عملاً صائباً. لكنّها لا تستطيع في المقابل تجاهل أن أيّ اتفاق جديد لا يمكن إلّا أن يتعاطى مع موضوعي الصواريخ الباليستية والمجنّحة الإيرانية، إضافة، في طبيعة الحال، إلى السلوك العدواني لإيران في المنطقة. كذلك، لن تستطيع تجاهل رأي دول المنطقة بأيّ اتفاق.
سيتوجّب على إدارة جو بايدن انتظار ما الذي ستفعله إيران. هل تقتنع بأنّ لا فائدة من العودة إلى اتفاق 2015 من دون التزامها شروطاً معيّنة هي الصواريخ وسلوك “الجمهورية الإسلاميّة” في المنطقة، مع ما يعنيه ذلك من ضبط للميليشيات المذهبية الإيرانية التي عاثت فساداً في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟
الواضح، إلى الآن، أن إيران متمسكة بموقفها الداعي إلى عزل الاتفاق في شأن ملفها النووي عن الصواريخ وعن تصرفات ميليشياتها وعن رأي دول المنطقة ومخاوفها المشروعة. لذلك نجدها حالياً تصعّد في كلّ مكان كي تقول إن لديها أوراقها وأن الكرة في الملعب الأميركي وليس في ملعبها وأن لديها القدرة على الصمود طويلاً. هذا ما يفسّر إلى حد كبير الزيادة في التصرفات العدوانية لـ”حزب الله” في الداخل اللبناني والتي كان آخر تعبير لها اغتيال السياسي والمثقّف الشيعي والشخصية الوطنيّة اللبنانية لقمان سليم … والصواريخ التي يطلقها الحوثيون من اليمن في اتجاه الأراضي السعودية. الغريب أن ذلك كلّه يحصل في ظلّ مساعٍ أميركية لمنع إدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب الأميركية، كما كانت تسعى إلى ذلك إدارة ترامب!
تتحدّى إيران الإدارة الأميركية الجديدة. تحاول إظهار أنّ العقوبات التي فرضتها عليها إدارة ترامب لن تجعلها تبدّل موقفها من الاتفاق النووي. تريد من الولايات المتحدة العودة إلى هذا الاتفاق من دون أي شروط جديدة. هذا ما أكدّه “المرشد” على خامنئي وهذا ما يسعى الى تسويقه بطريقة لبقة وزير الخارجية ظريف.
سيتوقّف الكثير على ما يدور داخل الإدارة الأميركية نفسها وهل سينتصر انصار إيران في واشنطن، أي الذين يسعون إلى تطبيق سياسة إدارة باراك أوباما ويعتبرون أن هذه السياسة مرجعيتهم الأولى والأخيرة.
أسابيع قليلة وسيتبيّن من سينتصر داخل الإدارة الجديدة. هل جو بايدن، نائب الرئيس في عهد أوباما الذي استمر ثماني سنوات، هو باراك أوباما آخر أم هو ذو شخصية خاصة به؟ سيتوقف ذلك على مدى إثبات الرئيس الأميركي الجديد أن الكرة في ملعب “الجمهورية الاسلاميّة” وأنّ الوقت يلعب لمصلحة الولايات المتحدة وليس في مصلحة بلد مأزوم مثل إيران.