بقلم: علي بن سالم الكعبي – الاتحاد الإماراتية
الشرق اليوم- مع وصول «مسبار الأمل» إلى مداره حول كوكب المريخ بعد رحلة استمرت سبعة أشهر، ينجح فريق عمل المشروع في تحقيق إنجاز علمي جديد يسهم في استكشاف الكوكب الأحمر، وفي حمل رسالة لكل شعوب المنطقة بضرورة إحياء تاريخها الذي كان زاخراً قبل قرون بالإنجازات العلمية على وجه الخصوص، والتي استفاد ويستفيد منها العلماء حتى اليوم. ولا شك أن هذا الإنجاز يحفز الشباب العربي تحديداً على الإبداع وعلى تطوير علومهم ومهاراتهم، التي تسهم في توفير حلول للإنسانية جمعاء، وأيضاً على تحدي الظروف مهما بلغت صعوبتها.
صحيح أن مسبار الأمل سيعود بالفائدة بالدرجة الأولى على الإمارات من حيث مقدرتها على تبني المشاريع الكبرى، وتوظيف الشباب الإماراتي، لكنه من جهة أخرى هو مشروع يستثمر في العقول، الأمر الذي يشكّل لها أساساً متيناً لبناء اقتصاد معرفي مستدام، وتعزيز المسيرة التنموية، والاستثمار في المستقبل، والأهم من ذلك – اقتصادياً – الاستثمار في الأعمال التي من شأنها أن تكون بديلاً عن البترول، وهو ما عزمت عليه الإمارات قبل عقود.
البعض منا يعتقد أن مهمة «مسبار الأمل» تتوقف عند استكشاف كوكب المريخ، ولكن الحقيقة أن «المسبار» سيوفر كذلك جزءاً كبيراً من البيانات التي يجمعها على مدار سنتين تقريباً أي ما يعادل «سنة مريخية» واحدة، وبشكل مجاني سوف تُقدم تلك البيانات للباحثين والعلماء المهتمين بالفضاء، وللمراكز والجامعات المتخصصة في علوم الفضاء، وهذا من شأنه أن يفيدهم كثيراً في تنفيذ أبحاثهم ودراساتهم، ليست فقط تلك المرتبطة بالمريخ فقط، إنما بمداره ومحيطه.
سعت الإمارات إلى تشغيل المؤسسات والكوادر الوطنية في هذا المشروع، أي منذ لحظة إطلاق الفكرة، إلى مرحلة صناعة وبناء المسبار، ومن ثم إطلاقه، وصولاً إلى انتهاء مهمته، وهذا أمر يُحسب لحكومة الإمارات التي أوكلت مهمة إدارة وتنفيذ المشروع لمركز محمد بن راشد للفضاء، على أن يكون المشرف العام عليه من اختصاص وكالة الإمارات للفضاء. وبالفعل، كان الشباب الإماراتي متحمساً للعمل في هذا المشروع، والذي تم بالتعاون مع عدة جامعات كبرى، ومن ثم التعاون مع قاعدة تانيغاشيما في اليابان التي استقر فيها المسبار قبل إطلاقه إلى الفضاء.
إن المشاريع الكبرى وخصوصاً تلك المرتبطة بالفضاء تحتاج دوماً إلى اجتماع الخبرات من كل مكان ومن تخصصات مختلفة. ولأن «مسبار الأمل» يندرج تحت هذا البند، أي بند المشاريع الكبرى – فقد احتاجت صناعته ومن ثم تشغيله إلى كل الخبرات التي من شأنها أن تصل في النهاية إلى مشروع ناجح ومفيد. ولهذا، وبتفصيل أكثر، فقد عمل في «المسبار» أكثر من 450 خبيراً ومهندساً وفنياً من الإمارات وغيرها، وتمت صناعة 66 قطعة ميكانيكية في الإمارات، كما تم تصميم ما يزيد على 200 تقنية جديدة بالتعاون مع 15 جهة علمية ما بين جامعات ومراكز أبحاث، ليكون لدينا في النهاية «مسبار الأمل»، الذي وصل أخيراً إلى مدار المريخ، ليبدأ مهمته هناك، بحيث يستكشف أموراً مهمة، ويوفر للعلماء والباحثين معلومات ينتظرونها، ويرصد جوانب عديدة مرتبطة بالمناخ والغازات وببنية الكوكب وطبقاته. وكل ما سبق سيسهم في الإجابة على أسئلة العلماء، ويمكّنهم من التحقق من نظرياتهم وفرضياتهم، ومن توفير دراسات تفيد أهل الأرض، وتلك هي الغاية في المحصّلة، والتي سيكون السبق للإمارات في توفيرها.