الرئيسية / مقالات رأي / ليبيا: الأمر لم ينتهِ بعد!

ليبيا: الأمر لم ينتهِ بعد!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي

الشرق اليوم- من الطبيعي أن تحظى التطورات في ليبيا بكثير من التحليل والتفسير، خصوصاً الانتخابات المحدودة التي أجريت بعيداً في مدينة جنيف السويسرية، بعدما هدأت الأوضاع نسبياً في الداخل الليبي وانخفضت أصوات طلقات المدافع والصواريخ، غير أن النتائج جاءت محيّرة وطرحت تساؤلات بعدما أحرز التكتل المحسوب على تركيا وقطر، وبالتبعية “الإخوان المسلمين”، تقدماً، بينما خسر الفريق المحسوب على مصر والسعودية والإمارات مساحات من النفوذ السياسي، على رغم أن رد فعل الدول الثلاث جاء مرحباً بالعملية السياسية التي حصلت، بينما جيّشت أنقرة والدوحة و”الإخوان” وسائل الإعلام لإقناع الناس بأن النتائج أظهرت فوز حلفاء ذلك المحور وهزيمة المحور المنافس!

عموماً كان هناك ترحيب إقليمي ودولي بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا يفترض أن تُمهّد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في نهاية السنة الحالية، في ظل ظروف تفتقد توازنات في علاقة المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة بكل من الجيش الوطني وقائده في الشرق الليبي، والميليشيات صاحبة النفوذ في الغرب، فالأمر لم ينتهِ بعد، أو كما قالت الموفدة الأممية ستيفاني ويليامز “إن التحديات التي تواجه الدولة الليبية مستمرة”، بعدما أوضحت أنه يتعين على رئيس الوزراء المكلف تشكيل حكومته خلال 21 يوماً ومثولها في مجلس النواب لمنحها الثقة، وإذا تعذّر ذلك يتم تقديمها لملتقى الحوار الوطني.

محصلة ما جرى في جنيف، الجمعة الماضي، أفضت الى فوز محمد المنفي برئاسة المجلس الرئاسي وعبد الحميد الدبيبة برئاسة الحكومة. صحيح أن الأخير تعهد “عدم الإقصاء والعمل مع الجميع”، إلا أن المخاوف من الإقصاء لا تبددها الوعود والعبارات، فالمجتمع الدولي تابع وقائع الاحتلال التركي لليبيا بينما كان المجلس الرئاسي يبشر الليبيين بقرب الخلاص من سيطرة الأجانب! وحين كان السراج يعقد المعاهدات ويوقع على الاتفاقات في أنقرة، كان الإعلام القطري التركي “الإخواني” يحذّر من التدخل المصري في الشؤون الليبية! وعموماً فإن الدبيبة الذي أكد إدراكه تطلعات الليبيين عندما قال “إن الهدف الذي من أجله تم اختيارنا، هو إرساء أمن ليبيا واستقرارها، وتهيئة الظروف للاستفتاء على الدستور، والانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة”، تعهد كذلك “العمل في هذه الفترة بجدية على إصدار قرارات للحد من المركزية والعناية بالجنوب الليبي الذي سيكون من أولويات عمل هذه الحكومة، خصوصاً في مجالات الصحة والبنية التحتية والمنشآت النفطية”.

وكان ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد برعاية الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، خاض “ماراثون” انتهى الى تصويت 39 من إجمالي 75 صوتاً، بنسبة 53 في المئة، لمصلحة قائمة تضم محمد يونس المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وموسى الكوني وعبد الله حسين اللافي عضوين، وعبد الحميد محمد الدبيبة رئيس الحكومة، فيما خسرت قائمة تضم عقيلة صالح رئيساً للمجلس الرئاسي وأسامة جويلي وعبد المجيد سيف النصر عضوين في المجلس، إضافة الى فتحي باشاغا رئيس الحكومة.

وبرغم أن المنفي مثل الشرق الليبي، إلا أنه كان سفيراً سابقاً لحكومة “الوفاق” في اليونان، التي أقدمت على طرده في حزيران (يونيو) عام 2019، ما أثار غضب أنقرة. أما موسى الكوني، فكان نائباً لرئيس حكومة “الوفاق” فائز السراج، وإن كان تبنى العام الماضي دعوات للمصالحة بين قائد الجيش الوطني، والسراج. وبالمثل يحظى رئيس الحكومة الفائز عبد الحميد الدبيبة بعلاقات وثيقة بتركيا، وهو رجل أعمال واسع النفوذ، لاحقته اتهامات برُشى قدمها لأعضاء ملتقى الحوار السياسي للتصويت لمصلحته.

وبرغم المعلومات الأولية عن ارتباط الدبيبة أو المنفي بالقوى الموالية لتركيا وقطر، إلا أن الاثنين ليسا من بين الزعماء السابقين للميليشيات، وليست لديهما قوة مسلحة على غرار منافسهما فتحي باشاغا مثلاً، ما يرجح أن ينتهى بهما الأمر برفض التحالف مع الميليشيات وتشكيل تحالف مع الجيش الليبي، لطرد الميليشيات، لكن يبقى من المستبعد إجراء الانتخابات الليبية في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، إذ إن حصول الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان، المنقسم والمشتت، سيحتاج الى وقت طويل وتعقيدات ليس من السهل حلّها. أما العودة مجدداً الى ملتقى الحوار الوطني ليمنح الحكومة الثقة، إذا ما فشل البرلمان في تحقيق ذلك الأمر، فيحتاج الى مزيد من الوقت والتعقيدات، ناهيك بالطبع عن الأوضاع المهترئة على الأرض والظروف الأمنية البالغة الصعوبة والحساسية. ويكفي هنا الإشارة الى فشل كل الأطراف في إنجاز فتح الطريق الساحلي حتى الآن برغم اتفاقها جميعاً على أهمية الإجراء وضرورته، فكيف يمكن للحكومة الجديدة تفكيك الميليشيات وإخراج المرتزقة، ووضع موازنة للدولة، وتهيئة الأجواء للانتخابات المقبلة، وإعلان مصالحة شاملة في غضون عشرة أشهر؟

صحيح أن الموفدة الأممية الى ليبيا ستيفاني ويليامز نجحت في إنجاز مهمة تشكيل السلطة التنفيذية، التي ستدير المرحلة الانتقالية في ليبيا، لكن ويليامز نفسها ستغادر وستسلم المهمة إلى الموفد الجديد يان كوبيش الذي سيحتاج هو الآخر الى وقت ليمسك بكل خيوط المعضلات الليبية.

يبقى أيضاً أن النتائج أثارت تساؤلات مهمة حول شبكة الميليشيات والخريطة المعقدة للقوى الفاعلة على الأرض، خصوصاً مستقبل علاقة السلطة الجديدة بالميليشيات المتصارعة على النفوذ. فوفقاً لقرار كان أصدره السراج، ومنح بمقتضاه ميليشيات العاصمة طرابلس سلطات أمنية واستخباراتية، ستخضع تلك الميليشيات لسيطرة المجلس الرئاسي الجديد. في المقابل، فإن ميليشيات مدينة مصراتة (الغرب الليبي) التي كانت تمنّي نفسها بالسيطرة على السلطة عبر رجلها وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا، يُتوقع ألا تسمح على الأقل بسحب البساط من مناطق نفوذها. كما لا يتوقع أن يبتعد باشاغا عن المشهد السياسي الليبي خلال الفترة المقبلة بعدما خاض صراعاً كبيراً على النفوذ في مواجهة السراج، وسعى خلال الأشهر الأخيرة الى الإمساك بعصا التوازنات الإقليمية من المنتصف، بعدما زار القاهرة، كما أنه يحظى بثقة واشنطن.

في المقابل، فإن رئيس مجلس النواب الحالي عقيلة صالح الخاسر هو الآخر، فقد ثقة المقرّبين من الجيش الوطني بعدما وجه خلال الأيام الأخيرة انتقادات ضمنيه لقائده أملاً في نيل ثقة الغرب الليبي والنجاح في الانتخابات.

وبرغم التفاؤل الدولي في أن تضع خطوة انتخاب سلطة انتقالية، تمهّد للانتخابات، حداً للصراع الليبي، لكن على ما يظهر، فإن الملف سيظل مفتوحاً على كل الاحتمالات في ظل الصراعات على النفوذ، والمؤكد أن الزيارة المتوقعة للمنفي للقاهرة قريباً ستضع أجوبة عن أسئلة ما زالت تبحث عن إجابات حول مستقبل العملية السياسية وموقف الجيش الوطني الليبي وخطة ترحيل الأجانب ومصير الوجود التركي على الأراضي الليبية. وهنا تجدر الإشارة الى الموقف المصري الذي عبّر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في مداخلة تلفزيونية عندما أكد دعم بلاده للعملية السياسية في ليبيا، لافتاً الى الخط الأحمر الذي كان حدده العام الماضي ويمتد ما بين مدينتي سرت في الشمال وحتى الجفرة في الجنوب، وحظر وقتها الميليشيات والقوى الموالية لقطر وتركيا من تجاوزه.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …