بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- في لحظة مكاشفة نادرة كشفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن الأزمة الصحية تقلق منامها وتجبرها على الاستيقاظ في منتصف الليل لإعادة التفكير في كل الاتجاهات ومراجعة خطط إدارة الأزمة قبل أن تتخذ قراراً بشأن خيارات الإغلاق والانفتاح، وقالت إنها تجد صعوبة حقيقية في الانقطاع عما يجري خلال صحوها ومنامها.
وهذا النوع من القلق حول المهددات التي ترتبط بمصير المواطنين ورفاهيتهم أمر جدير بالقادة الكبار وميركل من دون شك واحدة من هؤلاء القادة وربما في مقدمة صفوفهم بالنظر إلى فترتها الطويلة في ممارسة السلطة وسجلها الحافل بالإنجازات.
لكن الأزمة الصحية التي تسببت فيها جائحة كورونا ربما لا تكون الباعث الوحيد لقلق المستشارة الألمانية، فهذه أزمة طارئة في مسار الأحداث العالمية، وقد بلغت ذروتها وبدأت في الانحسار تدريجياً مع اكتشاف اللقاحات الواقية وحملات التطعيم العالمية الهائلة التي بدأت نتائجها تظهر للعيان.
هناك مثلاً مسألة مستقبل القيادة الألمانية بعد انسحاب ميركل عن المشهد الدولي. صحيح أن انتخابات الحزب الديمقراطي المسيحي الأخيرة أبعدت خصم ميركل القوي فريدريش ميرتس وجاءت بأرمن لاشيت المعتدل والوفي لميركل والمجسد لاستمرار سياستها زعيماً جديداً للحزب، وخليفة محتملاً لها في منصب المستشارية، إلا أن السؤال الذي يثير القلق هو ما إذا كان هذا الوفاء والتأييد لسياسة المستشارة كافياً لسد فراغ القيادة الذي ستتركه ميركل بعد مغادرتها؟.
خرجت ميركل من عباءة المستشار الأسبق هيلموت كول، وفي عهده توحدت ألمانيا وهو انجاز تاريخي للمستشار كول، لكن مسيرة ميركل في زعامة ألمانيا والحزب الديمقراطي المسيحي كانت عبارة عن سلسلة متواصلة من الإنجازات الكبيرة. فهذه المرأة الحديدية التي عاصرت خلال بقائها في السلطة أربعة رؤساء أمريكيين وخمسة من رؤساء وزراء بريطانيا وسبعة من رؤساء وزراء إيطاليا، تصدت إلى أعنف الأزمات الدولية، من أزمة الديون الأوروبية إلى أزمة المهاجرين مروراً بالانفصال البريطاني وصولاً إلى الأزمة الصحية الراهنة.
وفي خضم صراعها مع هذه الأزمات كانت ميركل «الصخرة الصلبة»، كما وصفها المراقبون، وقامت بخطوات كبيرة، وتركت أثراً أكبر، على صعيد الداخل الألماني وفي المحيطين الأوروبي والدولي. لقد كرست مكانة ألمانيا لاعباً رئيسياً في صناعة السياسات ومعالجة الصراعات والنزاعات الدولية. وفي معرض مدحهم لخصائلها القيادية يقول المراقبون إن أكثر ما يميزها هو «إرادتها وحصافتها»، فهي «تحاول حل المشكلات وليس استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية».
فهل ينجح الخليفة المحتمل في الإمساك بدفة القيادة بذات القدرة والحزم في عالم السياسة الدولية المتغير باستمرار؟ وهل تمكنه مقدراته من استلهام نموذج المستشارة في مواجهة التقلبات الفجائية في عالم تنافسي ومتغير؟.
لا شك أن هناك الكثير مما يمكن أن يقلق المستشارة بما يفوق كثيراً تهديد كوفيد 19، فالجائحة باتت في انحسار منذ أن اكتشف العالم اللقاحات المضادة ولم تعد مثيرة للقلق. لكن تحولات السياسة وتحوراتها… ليس لها لقاح.