الشرق اليوم – بالإضافة إلى الانقسامات السياسية الداخلية التي يواجهها جو بايدن، قد يضطر الرئيس الأميركي الجديد للتعامل مع تحديات بارزة أخرى على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية.
على المستوى الجيوسياسي، سيخصص بايدن معظم وقته ورصيده السياسي لإعادة بناء العلاقات العابرة للأطلسي، وهو أمر لم ينشغل به أي رئيس أميركي آخر في الحقبة المعاصرة، كذلك، سيضطر لإعادة ترسيخ المصداقية الأميركية في المنطقة عبر طمأنة كوريا الجنوبية واليابان والحلفاء الآخرين في آسيا حول استمرار الالتزام الأميركي بمساعدتهم على تجاوز التحديات التي يطرحها تنامي النفوذ الصيني، بعبارة أخرى، ثمة حاجة إلى توحيد صفوف الديمقراطيات القائمة على مبدأ السوق الحر وتطبيق مقاربة متعددة الأطراف.
على المستوى الاقتصادي، يضع استفحال الوباء المستمر وتداعياته الاقتصادية أولويات داخلية عاجلة على أجندة الرئيس الجديد. لا يزال توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة بطيئاً (بعد شهر ونصف الشهر على إطلاق حملة التلقيح، يقتصر عدد من تلقوا جرعتَين من اللقاح حتى الآن على 4.3 ملايين شخص)، وثمة حاجة إلى طرح حوافز إضافية لتعويم الأميركيين إلى أن يصبح عدد كافٍ من السكان محصّناً ضد الفيروس ويترسخ وضع طبيعي جديد.
على بايدن وأعضاء فريقه أن يحددوا على المدى الطويل طريقة التعامل المناسبة مع عالمٍ بدأ ينتقل بكل وضوح من السوق الحر الدولي إلى اقتصاد هجين حيث تكتفي الدول أحياناً بتبادل سلع وخدمات محددة مع الأطراف المتحالفة معها سياسياً.
ما سبب هذه التطورات كلها؟ بدأت الصين والتهديدات التي تطرحها على مستوى تطوير التكنولوجيا الناشئة وتحديد معاييرها تنقل العالم إلى بنية قائمة على نظامَين تكنولوجيَين متنافسَين: نظام صيني وآخر غربي. كذلك، سبق أن بدأت الصين بتصدير ابتكاراتها التكنولوجية إلى الحكومات الصديقة لبكين، أي تلك التي تتكل على السوق الصيني. تستطيع التجارة العالمية أن تقدم منافع بارزة لكل من يشارك فيها، وفي المقابل، ترتكز المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، حيث يحتل التحكم بالبيانات والوصول إليها أهمية كبرى، على مبدأ
“لا غالب ولا مغلوب”، وبما أن دور التكنولوجيا توسّع في الاقتصاد اليوم أكثر من أي وقت مضى، فإن هذا الوضع سيؤدي إلى تفكيك أجزاء كبرى من السوق الحر العالمي.
ما لم تطرح الولايات المتحدة وديمقراطيات أخرى قائمة على مبدأ السوق الحر استراتيجية متماسكة للتعامل مع هذا الواقع، فستصبح الصين المبنية على رأسمالية الدولة أبرز لاعبة مؤثرة في هذا النظام الاقتصادي الجديد. (تقع أهم شركات التكنولوجيا العالمية في الولايات المتحدة، لكنها لا تُبلِغ واشنطن بتحركاتها كما تفعل الشركات الصينية في بكين). أمام هذا الوضع، يجب أن يبتكر فريق بايدن طريقة مناسبة للاصطفاف مع أكبر عدد ممكن من الحلفاء في مجال التنمية وتنظيم شبكة الجيل الخامس والتكنولوجيا الناشئة ذات الصلة للبدء بتحديد شروط التجارة الدولية المستقبلية.
تبدو هذه المهام شاقة بمعنى الكلمة وستكون كل واحدة منها معقدة لأسباب مختلفة، لكن لا يستطيع بايدن أن يتجاهل أياً منها لأن التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية ستترافق مع تداعيات هائلة على المعركة القائمة ضد التغير المناخي. عملياً، قد يستفيد بايدن من معالجة مسألة المناخ لإحراز التقدم المنشود في تلك الملفات الثلاثة: ثمة مجال لإقامة تعاون جيوسياسي لمعالجة مشكلة الاحتباس الحراري، وقد يترافق وباء كورونا المستجد وتكاليفه الاقتصادية مع أزمة محتدمة تفرض عملية انتقالية صعبة لكن ضرورية نحو اقتصاد أكثر خضاراً، ولا يمكن تجاوز مسار التغير المناخي الراهن أصلاً من دون ظهور تقنيات جديدة لتعزيز التعاون التكنولوجي بدل الاكتفاء بخوض منافسة تكنولوجية.
تبرز أحياناً حلقات إيجابية على مستوى السياسة العالمية، لكن هل سيتمكن بايدن من الاستفادة منها بالشكل المطلوب؟
ترجمة: الجريدة
الوسومالصين العلاقات العابرة للأطلسي جو بايدن
شاهد أيضاً
أمريكا والمسكوت عنه!
العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …