بقلم: إبراهيم الزبيدي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- كان قيام مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين بلاسخارت بزيارة إيران، واللقاء بمستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، بمثابة اعتراف رسمي من الأمم المتحدة بأن العراق إيراني، وبأن الحديث مع وكلاء النظام الإيراني العراقيين لا جدوى منه، وأن الحديث مع والدهم وولي أمرهم هو المفيد، وأما غيره فعبث ومضيعة وقت وجهد وكلام.
وقد كان الأول والأهم في مجمل أهداف الزيارة هو ملف الانتخابات المقبلة، وإمكانية المباركة الإيرانية لإجرائها، ثم التفاهم والاتفاق على آلياتها، والموافقة على مشاركة الأمم المتحدة في مراقبتها، رغم علمها بأن أحزاب الدين الإيرانية وميليشياتها المتمرسة في التزوير والتلاعب لن تَعتق الانتخابات القادمة، مثلما كان ديدنها في الانتخابات السالفة، دون أن تقلب أبيضها أسود، ودون أن تضمن فوز مرشحيها، بأي وسيلة، وأي سبيل.
والمستغرب في زيارة بلاسخارت هذه أن الذي ذهبت للاستنجاد به على أولاده الصغار المشاغبين الوقحين كان أكثر منهم شغبا ووقاحة، وأقل احتراما لضيفته الأممية الزائرة. فقد صفعها على قفاها، وقال لها بالقلم العريض لا لأي رقابة دولية على الانتخابات.
فقد أكد على “ضرورة عدم تدخل الأجانب والدول الأجنبية في شؤون العراق”. وقال إن “هذه الانتخابات مصيرية جداً للعراق، وسيكون هنالك مستقبل وضّاء جداً أمام الحكومة والشعب العراقي، وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية على استعداد لتقديم أي دعم وتعاون مع البلد الصديق والشقيق العراق (..) وستشهد العلاقات بين إيران والعراق المزيد من التطور”.
وحين يقرأ الأوروبي والأميركي، وحتى العربي، مثل هذا الكلام لا بد أن يظنه دليلا على احترام إيراني رسمي عميق وثابت لحسن الجوار العراقي، وبالتزام كامل بحدود الأخوة والصداقة المجردة من غرض الابتزاز والاستكبار والاستعمار والاحتلال.
فمن الصعب على غير العراقي أن يدرك أن لهذا الكلام المنمق الرقيق الجميل وجهاً آخر أسود ومسموماً وملغوما لا يفهمه سوى العراقيين الذين يوصفون بأنهم يقرأون الممحوّ.
ولايتي مهتم أولا بأمر الانتخابات القادمة أكثر من جميع الانتخابات السابقة. ينتظر أن تتحقق ويتم إجراؤها، فهو يعتبرها أخطر ما سيواجه الوجود الإيراني في العراق، بعد التحولات العميقة التي أحدثتها انتفاضة شباب المحافظات (الشيعية) خصوصا. ومصدر خطورتها تكمن في أن الناخب العراقي (الشيعي)، مثلُ أخيه في المحافظات الأخرى، قد استفاق أخيرا، وأدرك فظاعة ما فعله ابن الطائفة المحلي والخارجي به وبأطفاله وكرامته ولقمة عيشه، ومن المحتمل أن يتمكن المواطن المنتفض من سحب البساط (الانتخابي) من الأحزاب الفاشلة الفاسدة الظالمة، ويرفع بصوته الحر الوطني الشريف إلى البرلمان العراقي الجديد ممثلين حقيقيين صادقين في وطنيتهم العراقية، ومخلصين لشعبهم، ومتحررين من التخلف الطائفي الذي استثمره الإيرانيون واستغلوه طيلة سبعة عشر عاما، بكل أنانية وعدوانية وخبث ودهاء.
مسكينة هذه السيادة التي يتحدث عنها المالكي ورفاقه الذين تعاملوا مع وطنهم العراق، قولا وعملا، باعتباره ولاية تابعة لجمهورية الولي الفقيه وله وحده حق التصرف بشعبها وثرواتها وشؤونها الداخلية والخارجية علنا
ومعنى سقوط وكلاء النظام الإيراني العراقيين، نوري المالكي وهادي العامري وفالح الفياض وقيس الخزعلي ورفاقهم “المجاهدين” الآخرين هو احتراقٌ تام ونهائي للورقة العراقية التي تعد أقوى أوراق النظام على طاولة مفاوضاته القادمة مع الرئيس الأميركي الجديد، والتي لن تُقرر مصيرَ وجوده في العراق، وحسب، بل ستطرده من سوريا واليمن ولبنان، وتعيده إلى داخل حدوده، ذليلا خائبا ضعيفا، في مواجهة شعبه الذي لن يغفر له هذا السقوط.
ومن رده الفج يتبين أن أكثر ما يخشاه النظام الإيراني من الحضور الدولي في الانتخابات القادمة أمران؛ الأول، أن يكون مشجعا للملايين من الناخبين المتحرقين شوقا إلى الخلاص من الهيمنة الإيرانية وأحزابها وميليشياتها وإرهابها وفسادها على التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع، متحدّين سطوةَ السلاح المنفلت وكواتم الملثمين، فتنقلب الطاولة على أصحابها، وتتحرر الإرادة الوطنية من الوصاية والاحتلال.
والثاني أن يكون ضامناً حقيقيا لعدالة الانتخابات ونزاهتها، إذا لم يزورها المزورون، أو شاهدا مهما يفضح تزويرها. وهذا، في الحالتين، ضربة على رأس النظام الإيراني موجعة.
لعل ذلك ما يفسر الحماسة المتناهية التي يعارض بها قادة المعسكر الإيراني – العراقي أي دعوة لإشراك منظمات دولية فاعلة في مراقبة الانتخابات.
فقد أعلن نوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، نيابة عن أشقائه في البيت الشيعي، صراحة وبالقلم العريض، رفضَه الإشراف الدولي على الانتخابات العراقية المنتظرة، وقال إن “وضع الانتخابات تحت إشراف دولي خطير جداً” وهو “يمثل خرقا للسيادة الوطنية”.
مسكينة هذه السيادة التي يتحدث عنها المالكي ورفاقه الذين تعاملوا مع وطنهم العراق، قولا وعملا، باعتباره ولاية تابعة لجمهورية الولي الفقيه وله وحده حق التصرف بشعبها وثرواتها وشؤونها الداخلية والخارجية علنا، واعتبار سيادته جزءاً من سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دون جدال.
والخلاصة أن العراقيين، بعد إعدام عبدالكريم قاسم، واحتراق عبدالسلام عارف، وطرد أحمد حسن البكر، وشنق صدام حسين، وارتفاع منسوب الظلم والفساد والقتل والاغتيال والاختلاس في عهد الإيرانيين لا بد أن يكونوا قد فهموا الدرس، وأدركوا أن لا خلاص ولا انعتاق ولا أمن ولا أمان إلا باحترام الديمقراطية الحقيقية غير المغشوشة، وبمنع رجال الدين من التدخل في السياسة، واستعادة سلطة القانون وهيبة القضاء، وإصلاح ذات البين بين الأخ وأخيه.
وفي الانتخابات القادمة -في حال لم يتآمروا عليها ويمنعوا إجراءها- إن لم يستطع الناخبون المنتفضون اكتساح صناديق الاقتراع واجتثاث النظام السياسي الفاسد من جذوره، ومحاكمة رؤوس الفساد الكبيرة، علنا وعلى شاشات التلفزيون، فلن تقوم للوطن وأهله قائمة إلى يوم يبعثون.