الرئيسية / مقالات رأي / جونسون يستفيد من كارثة الاتحاد الأوروبي مع اللقاح

جونسون يستفيد من كارثة الاتحاد الأوروبي مع اللقاح

بقلم: جون رينتول – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- ليست لقاحات فيروس كورونا قصةَ نجاح بريطانية عظيمة فحسب، بل إنها أيضاً قصة فشل عظيمة في الاتحاد الأوروبي، وهذا الفشل هو حدث زلزالي يغير المشهد السياسي، ليس فقط في بريطانيا ولكن في جميع أنحاء أوروبا.

إن إحدى الحقائق التي أسيء تقديرها بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عما نعتقده في بريطانيا، هي أن هذا الخروج كان كارثة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. لكن على مدى السنوات الخمس الماضية، تحاشى زعماء الاتحاد الأوروبي الاعتراف بذلك – “إذا أمكننا القول” – وحاولوا المضي قدماً كما لو أن شيئاً لم يتغير، وهذا الأمر أصبح اليوم أصعب بكثير.

لقد بدأ ذلك يغير المشهد السياسي في القارة، حيث باتت شعبية حزب الديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا بقيادة أنجيلا ميركل، تعرف انخفاضاً شديداً. كما سيغير المشهد السياسي في المملكة المتحدة أيضاً. لقد كانت صعوبةُ توضيح فوائد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إحدى نقاط الضعف في حجة المدافعين عن بريكست طوال السنوات الماضية. وكان إنهاء حرية تنقل الأشخاص وبعض الأفكار المجردة حول السيادة هو كلُّ ما يمكنهم التحجج به، مقابل التكاليف المؤكدة لإجراءات اقتصادية قاسية.

وعلى الرغم من أنّ هذه التكاليف لا تزال قائمة، إلا أن أزمة اللقاحات قد حجبت عناوين الأخبار حول الشاحنات الفارغة التي تسافر من بريطانيا إلى القارة، وعن ارتفاع الأسعار وعدم توفر المنتجات.

لم يعد السؤال تقنياً حول ما إذا كان بريكست قد مكّن المملكة المتحدة من السبق في مجال اللقاحات. من الناحية القانونية، لم يكن ذلك صحيحاً، حيث كان بإمكان أي دولة عضو أن تطلب اللقاحات وترخصها كاستثناء لقانون الاتحاد الأوروبي في حالة الطوارئ. وفي الواقع، استفادت المجر من هذا الاستثناء في الأيام القليلة الماضية من خلال شرائها لقاحات روسية وصينية. لكن القرار المتأخر الذي اتخذته المجر يؤكد فقط الضغط السياسي على الدول الأعضاء لاحترام “التضامن” والعمل من خلال المفوضية الأوروبية.

والآن أصبحت المسألة من اهتمام المفوضية، التي كانت بطيئة في السعي للحصول على اللقاحات، حيث قدمت طلبها إلى “أسترازينيكا” بعد ثلاثة أشهر من قيام المملكة المتحدة بذلك. ولقد أثارت الانتباه الآن إلى فشلها من خلال إصدار تهديدات جامحة ضد الشركة، وهي تهديدات لم تكن مدعومة (بالأدلة) عندما أُجبرت الشركة على نشر العقد (تفاقم انعدام الكفاءة بنشر نسخة ركيكة من العقد عن طريق الخطأ).

ولقد توج هذا بمهزلة إضافية مؤخرا، عندما قالت المفوضية إنها ستعلق اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لإغلاق الحدود بين (جمهورية) إيرلندا وإيرلندا الشمالية، فقط لتتراجع عندما اعترضت الحكومة الإيرلندية، التي لم يتم التشاور معها.

كل ذلك كان مصحوباً بتعليقات غير لائقة من القادة السياسيين في الاتحاد الأوروبي، حيث بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “ترامبياً” في ادعائه الباطل بأن لقاح “أسترازينيكا” “شبه غير فعال لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة، والبعض يقول لدى من تبلغ أعمارهم 60 فما فوق”.

مثلما قرّر الثعلب في حكاية إيسوب بأن العنب مر المذاق حين فشل في الوصول إليه.

من غير المعتاد أن نرى بوريس جونسون يقف على أرضية أخلاقية عالية، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى نتقبل ذلك. لقد أصبح الآن رئيس الوزراء الذي حطّم سمعة المملكة المتحدة بالتهديد بالتخلي عن معاهدة بعد أشهر من التوقيع عليها، متساوٍ مع الطرف الآخر الذي يفعل الشيء نفسه تحديداً، وبتبرير أقل. كما أظهرت هذه الأزمة (حول اللقاح) أن رئيس وزراء دولة تعاني من أسوأ معدلات الوفاة في العالم (بريطانيا)، والذي كانت تُقدم له دروس عن كيفية نجاح الألمان في الاختبار والتتبع بفضل مختبراتهم، (تبين في الواقع أنه) رئيس وزراء دولة يمكنها إنتاج لقاحات بفضل مختبراتها.

في خضم هذه الأزمة، ظل جونسون يتمسك بالحكمة، مبتعداً عن الخلاف بين الاتحاد الأوروبي و”أسترازينيكا”، واكتفى فقط بطلب استفسار مؤدب من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عما كان يحدث في الحدود الإيرلندية. وهذا قبيل إصدار المفوضية بياناً تتراجع فيه عن موقفها (بإغلاق الحدود بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية).

لقد أدت كارثة اللقاحات في الاتحاد الأوروبي إلى قلب ميزان السياسة لصالح لندن. ونتيجة لذلك، سيعاني زعيم حزب العمال كير ستارمر، الذي اعتقد أن الاتحاد الأوروبي أمر جيد، لدرجة أنه أراد إجراء استفتاء آخر (حول بقاء أو مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي). ويذكرنا ميشيل بارنييه، المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي، في مقابلة له اليوم أنه يعرف ستارمر جيداً، ويدعو بشكل ودي الحكومة البريطانية المستقبلية إلى “اختيار سيادي وحر، يقترب أكثر من السوق الموحدة، من خلال اعتماد نماذج مختلفة تظل متاحة”.

في غضون ذلك، وضعت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجون، الأكثر وضوحاً بشأن مزايا العضوية في الاتحاد الأوروبي، نفسها في مأزق هذا الأسبوع عندما بدت تهدد بنشر معلومات سرية حول مخزون اللقاحات وذلك ضد رغبات جونسون.

في الواقع، إذا ظل جونسون هادئاً، فمن الصعب التصور بأن التحديات التي يشهدها الاتحاد الأوروبي – والتي وصفها وزير الصحة الألماني، ينس شبان،  بـ”أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية” – لن تخدم مصالح رئيس الوزراء البريطاني. فسيكون أمراً سيئاً إذا حاول قادة الاتحاد الأوروبي معاقبة المملكة المتحدة على نجاحها، لكن كل ما سيؤدي إليه ذلك هو توحيد البريطانيين خلف جونسون ضد أي تهديد خارجي.

وهكذا فقد تكون سياسات ما بعد بريكست مختلفة عما كانت عليه من قبل – ومختلفة تماماً عما توقعه العديد من مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …