بقلم: هدى رؤوف – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– ما زال صانعو القرار في إيران يمارسون هوايتهم في إصدار التصريحات والخطابات المتضاربة. ففي حين لم يمر سوى شهر على تصريح المرشد الأعلى علي خامنئي بأن إيران لا تستعجل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وربما غير معنية، نجد مقابلة وزير الخارجية محمد جواد ظريف منذ يومين والذي يطلب فيها من الأوروبيين التدخل لتنسيق العودة المتزامنة للاتفاق بين إيران والولايات المتحدة. ظريف يعلن تنازل إيران عن رفع العقوبات من قبل الولايات المتحدة كشرط مسبق للتفاوض مع أميركا وعودة طهران لالتزاماتها في الاتفاق.
من هنا عادت إلى الواجهة قضية الملف النووي الإيراني بخاصة مع زيارة مرتقبة لرئيس جهاز الموساد الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة للحديث عن المخاوف الإسرائيلية بشأن أي اتفاق مقبل مع إيران لا سيما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أعلنت أنها ستتحاور مع الأطراف الإقليمية بشأن أي اتفاق مقبل، وهنا يثار التساؤل حول الاتفاق النووي مع إيران، وكيف ترى الأطراف الإقليمية وبشكل أخص الدول الخليجية وإسرائيل البرنامج النووي الإيراني ولماذا يشكل مصدراً للقلق؟
الاتفاق الذي أبرم عام 2015 بعد مفاوضات امتدت نحو عشر سنوات بين إيران والدول الأوروبية والولايات المتحدة وانتهت بخطة العمل الشاملة المشتركة، لم يكن مرضياً في حينها للأطراف المعنية بالتهديدات الإيرانية. حيث كان الإعلان عن مشروع النووي الإيراني هاجساً لدول منطقة الشرق الأوسط المعنية بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بشكل عام والدول العربية الخليجية التي يؤرقّها عدم الاستقرار في منطقة الخليج وإسرائيل خصم إيران.
بالنسبة لإسرائيل فقد اعتبرت البرنامج النووي تهديداً وجودياً وهدّدت مرات بقصف المنشآت النووية الإيرانية، ودفع الموقف الإسرائيلي إلى التحرك الدولي ضد إيران أو فرض عقوبات وتعميق عزلتها. وقد رفضت تل أبيب اتفاق جنيف التمهيدي بين إيران والغرب عام 2013 والاتفاق الإطاري المبرم في أبريل (نيسان) 2015 ومن ثم الاتفاق النهائي أيضاً. فاعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن رفضه الاتفاق لما له من آثار سلبية في أمن إسرائيل، وأنه ما زال يُمكّن إيران من امتلاك ترسانة نووية، وإسرائيل مستمرة في الدفاع عن نفسها في مواجهتها. ووصلت معارضتها إلى حد شن حملات دعائية مناهضة للاتفاق في أوروبا وإعلان نتنياهو قيامه بإقناع ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي لرفض الاتفاق. واعتبرت إسرائيل أن الاتفاق يحتوي على الكثير من العيوب التي لا تحول دون امتلاك إيران قدرات نووية، لذا بدأت العمل على الحيلولة دون ذلك.
أما القلق الخليجي فنبع من كون الاتفاق ركز فحسب على الحد من قدرات إيران النووية من دون الأخذ في الاعتبار الاستقرار في الشرق الأوسط أو أمن جيرانها، وأنه كان يجب استشارتهم وأن يكونوا جزءاً من الصفقة. واعتبرت الدول العربية أن الاتفاق مرحلة نحو تصعيد مكانة إيران للسيطرة الإقليمية. لأنه سيسمح لها باستعادة أموالها المجمدة، وزيادة قدرتها على إظهار قوتها ونفوذها في أنحاء المنطقة، ويسهل عودتها إلى سوق النفط العالمية وبالتالي زيادة قدرتها لمشاريعها التوسعية.
فالاتفاق من وجهة نظر الدول الخليجية وإسرائيل سيعزز مشروع الهيمنة لإيران، ويوفر لها مصادر تمويل أنشطتها الإقليمية. وظل التوتر يحكم الموقف الخليجي. فالمرجح أن تؤدي إيران المسلحة نووياً إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار هذه المنطقة المضطربة. كما أن امتلاك القدرات النووية سيعزز سياسة إيران الخارجية العدوانية، بما في ذلك تورطها العميق المستمر في سوريا واليمن والعراق ولبنان.
وعلى الرغم من الإدعاءات الإيرانية بأنها لا تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، وأن برنامجها النووي للأغراض السلمية، وتستند التصريحات الإيرانية إلى فتوى المرشد علي خامنئي بتحريم امتلاك القدرات النووية غير السلمية، الا أنه لا يمكن التأكد من النوايا الإيرانية، ففي عام 2009، اكتشفت وكالات الاستخبارات الغربية، واعترفت إيران، بمنشأة سرية في فوردو، مصممة لحوالى 3000 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وحينها علق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بأن تشكيل منشأة فوردو “لا يتوافق مع برنامج نووي سلمي”. إذ تكفي ثلاثة آلاف من أجهزة الطرد المركزي لإنتاج كميات من اليورانيوم عالي التخصيب للأسلحة النووية، ولكن ليس الوقود لمحطات الطاقة النووية.
وبعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وإعادة فرض العقوبات على إيران وتطبيقه سياسة أقصى ضغط، تدرجت إيران في تحللها من التزاماتها بالاتفاق النووي، حتى أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2019 أن إيران قد تجاوزت الحد المتفق عليه لحجم مخزونها من اليورانيوم المخصب، ما أعاد المخاوف المتزايدة بشأن برنامج أسلحة نووية. ثم أعلنت إيران أنها قامت بتخصيب اليورانيوم إلى حوالى 4.5 في المئة، متجاوزة مرة أخرى المستويات المتفق عليها. منذ ذلك الحين، أعلنت إيران العديد من الخطوات الأخرى في برنامجها النووي والتي تتجاوز على وجه التحديد بنود الاتفاق النووي الإيراني وتقصير الوقت الذي سيستغرقه امتلاكها لأسلحة نووية. فقد انخفض الوقت الذي يلزم لإنتاج مواد انشطارية كافية لسلاح نووي واحد إلى حوالى أربعة أشهر من عام واحد لو كانت التزمت ببنود الاتفاق.
هذا الأمر دفع إسرائيل إلى التحرك للعمل على تأخير البرنامج النووي الإيراني ففي يناير (كانون الثاني) 2018، صادر جهاز الموساد أكثر من 50000 صفحة من الوثائق و 160 قرصاً مضغوطاً من البيانات من داخل طهران والتى تضم الأرشيف النووي السري. كما شهدت انفجارات أهمها تفجير مبنى داخل مفاعل نطنز لإنتاج أجهزة طرد مركزي تستخدم لتخصيب اليورانيوم. كل ذلك لتدمير البنية التحتية النووية لإيران من دون الاعتماد فحسب على الاتفاق النووي. والآن في ظل إدارة بايدن، تحشد إسرائيل القدرات لتأخير امتلاك إيران القدرات النووية معتبرة أنه لا بد من اتفاق طويل الأمد وإلا ستظل تتحرك بحرية ضد المنشآت الإيرانية.
إذن الاتفاق النووي الموقع عام 2015 سمح لإيران بالبحث والتطوير، وسمحت انتهاكاتها بتركيب أجهزة طرد مركزي جديدة يمكنها التخصيب أسرع بمرات مما قد يقلّص زمن وصولها إلى النقطة التي تكون فيها على العتبة النووية. وهو ما تريده تحديداً فهي لا تبتغي امتلاك السلاح النووي لكن أن تكون قريبة جداً منه عندما تقرر ذلك.
ومن ثم أي اتفاق مع إيران، لا ينبغي أن يشمل فحسب منظومة الصواريخ الباليستية وتدخّلها في شؤون دول الصراعات والأزمات العربية وعدم احترام قرارات مجلس الأمن بشأن إمدادات السلاح للأطراف المتنازعة على غرار اليمن وسوريا، وإنما لا بد كذلك من إطالة أمد القيود على الأنشطة النووية بما يحول دون وقوفها على عتبة السلاح النووي، كما لا بد أن يشمل إطالة القيود على شراء الأسلحة. أي أن إدارة بايدن مطالبة بالتفاوض على اتفاقية مطورة، تعالج القضايا الإشكالية في الاتفاق النووي وهي بنود الانقضاء، والبحث والتطوير، والرقابة، وكذلك برنامج الصواريخ الإيراني والأنشطة الإقليمية. لذا على دول الخليج العربية التركيز على تلك البنود، فضلاً عن العودة لإثارة قضايا سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، التي ستزيد عدم استقرار المنطقة، فضلاً عن مخاطر التلوث الإشعاعي الذي يهدد الخليج بأكمله.
إن أي محاولة إيرانية لزيادة قدراتها النووية تهدف منها إلى زيادة قدرات الردع لديها في مواجهة جيرانها من دول الخليج. لذا يجب على طهران أن تدرك أن تحسن العلاقة معها، لن يحدث حتى تلتزم بعدم التدخل في شؤون دول الخليج واحترام سيادتها واستقلالها وهو ما لن يتحقق إذا لم يُقيّد الطموح النووي الإيراني.