بقلم: نجينباو كيبجن – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تهديد الجيش بإلغاء الدستور كشف عن استعداده لقلب النظام السياسي عندما تتعرض مصالحه للخطر.
أثار اعتقال مستشارة دولة ميانمار، أونغ سان سو كي، وإعلان حالة الطوارئ، ردات فعل سريعة لدى المجتمع الدولي، لكنه لم يكن مفاجأة للمراقبين.
فمنذ أن منحت الانتخابات العامة الأخيرة في ميانمار التي جرت في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، تفويضاً قوياً لحزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، ازدادت التوترات بين الجيش والحزب المذكور.
كما أن حزب الاتحاد للتضامن والتنمية، وهو حزب المعارضة الرئيسي الذي له صلات وثيقة بالجيش، لم يقبل بنتائج الانتخابات التي كشفت عن تراجع في مؤيديه.
وقد وجه الطرفان الاتهامات للجنة الانتخابات النقابية والرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بالتورط في عملية تزوير انتخابي متعددة الأشكال. وزاد الأمور تعقيداً تدخل الجيش الذي حكم البلاد بيد من حديد لما يقرب من خمسة عقود، وتدخل لدعم حزب المعارضة.
وقد لا تخفى أسباب تعرض الجيش لضغوط دولية مكثفة بعد أن أصدرت لجنة تحقيق دولية في أزمة الروهينجا تقريرها الأسبوع الماضي.
وقالت أونج سان سو كي، في تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” تناول هذه القضية، ونُشر في 23 يناير / كانون الثاني، إنه سيتم اتخاذ إجراء ضد أعضاء هيئة خدمات الدفاع الذين ثبتت إدانتهم، والذين ستتم محاكمتهم من خلال نظام القضاء العسكري.
وملخص ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية، هو أن الخاسرين في الانتخابات يحاولون قلب النتائج وتجاوز إرادة الناخبين مع تلاشي خياراتهم الأخرى.
وزعم أعضاء حزب المعارضة أنه دعا إلى تدخل الجيش لأن الحزب الحاكم لم يلق بالاً للشكاوى التي تقدموا بها حول تزوير الانتخابات وتجاوزات الشرطة فيها والتي يزيد عددها عن 1200 شكوى.
وبينما رد الجيش بخطوة معقولة للنظر في القضايا المزعومة، فإن توسعه المفاجئ في التحقيقات وما تلاه من ادعاء بالعثور على 8.6 مليون مخالفة الأسبوع الماضي فقط، قد صدم الجميع.
وقد تسببت لجنة الانتخابات المركزية من خلال ردها السريع، الصادر يوم السبت الماضي، بتأزيم الموقف حيث أصرت على موقفها بالقول إنها لم تجد أي مخالفات كبيرة يمكن أن تؤثر في نتائج الانتخابات.
ويأتي إعلان حالة الطوارئ أيضاً على خلفية المحاولات السابقة من قبل المعارضة لتحدي الانتخابات التي لم تحقق فيها نجاحاً يذكر.
كما دعا كل من حزب الاتحاد المعارض والجيش، البرلمان لعقد جلسة خاصة لمناقشة ما يعتبرونه تلاعباً جماعياً. لكن البرلمان رفض ذلك على أساس أن قرارات لجنة الانتخابات المركزية نهائية في القضايا المتعلقة بالانتخابات.
ويقوض الانقلاب العسكري المؤسسات المدنية التي بنيت بعناية، كما يهدد نظام الحكم القائم على الانتخابات وانتقال السلطة السلمي.
ويبدو أن للجيش أسباباً مشروعة لإعلان حالة الطوارئ بموجب المادة 40 من الدستور إذا تمت استشارة الرئيس. لكن تهديده بإلغاء الدستور، كشف عن استعداده لقلب النظام السياسي عندما تتعرض مصالحه للخطر.
يذكر أن الجيش هو من وضع الدستور الذي يعمل به منذ الانتخابات العامة في 1990، وقد تم طرحه للاستفتاء في عام 2008 لقطع الطريق على القوى السياسية التي تحث على تغييره.
ولكن على مدى السنوات الخمس الماضية، سيطرت حكومة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية على مجلسي البرلمان، ورشحت أعضاء الحزب للرئاسة. وبعد تحقيقها فوزاً ساحقاً، أعطى الدستور للرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية نفوذاً أكبر.
لكن كان من الممكن أن يتناول الحزب الحاكم مزاعم التلاعب بالانتخابات بشكل أكثر شمولاً مع تقديم توضيحات تفصيلية لحوادث الغش التي تم العثور عليها وكيف توصلوا إلى استنتاج مفاده أن نتائج الانتخابات لم تتأثر بشكل كبير.
ولا تزال فرص الخروج من المأزق متاحة. ويمكن لأعضاء البرلمان المنتخبين النظر في قبول اقتراح الجيش بإنشاء لجنة للتحقيق في مزاعم التلاعب، لتبديد الشكوك بشكل لا لبس فيه، والقيام بدور الحكم الفصل في الشكاوى والادعاءات المستقبلية.
وتثير مواقف دول العالم التي جاء ردها عاجلاً، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، مخاوف من فرض العقوبات على ميانمار. وفي بلد اعتاد منذ فترة طويلة على نظام سياسي يتمتع فيه الجيش بنفوذ هائل.
ولا يقبل الكثير من مواطني ميانمار اللجوء إلى الحل العسكري. فقد أشار معظم الناخبين في ميانمار الذين شملتهم استطلاعات الرأي السابقة إلى أنهم يعتقدون أن الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية هي الحزب الوحيد الذي يمكنه الوقوف ضد التهديدات الداخلية من الجيش، وفي وجه الانتقادات الخارجية.