بقلم: ويليام كورتني – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يكن الاندفاع نحو الشرق ضمن خطط الناتو عند توقيع روسيا على القانون التأسيسي للعلاقات المشتركة.
أنشأت الصين سورها العظيم للحماية من الغزاة الأجانب، لكن روسيا تقيم حاجزًا بينها وبين دول الجوار من الاتجاهات كافة قد يزيد من ضعف موقعها، فعلى حدودها الغربية من فنلندا في الشمال إلى جورجيا في الجنوب مارست روسيا ضغوطاً على جيرانها ودفعت الناتو إلى نشر المزيد من القوات العسكرية بالقرب من الحدود الروسية، ومن المؤكد أنه لم يكن في نية موسكو منح الناتو هذه الفرصة.
وقد حذر وزير الخارجية سيرجي لافروف، وهو يدرك تلك المخاطر، من خطط الناتو غير المسبوقة للتحرك نحو حدود بلاده وإشراك دول محايدة – مثل السويد وفنلندا – في تدريباته العسكرية.
ودفع ضغط موسكو على جيرانها حلف الناتو إلى تعزيز وجوده في المنطقة المجاورة لروسيا من خلال وسائل مثل القوة البرية في بولندا، والقوة الجوية والبحرية في رومانيا، ودوريات السفن الحربية في بحر البلطيق والبحر الأسود.
وتعمل فنلندا بحذر على تعزيز التعاون مع الناتو من خلال تهيئة قواتها للتعاون والعمل المشترك. من جانبها تقوم السويد، الأكثر عرضة للمضايقات الجوية والبحرية الروسية بتنفيذ أكبر زيادة في ميزانيتها العسكرية منذ 70 عاماً وتوسيع قواتها المسلحة بمقدار النصف.
وتتعرض دول البلطيق لتهديدات أكبر، ففي العام 2007 شنت موسكو هجوماً إلكترونياً واسع النطاق على إستونيا، وتشن حرباً معلوماتية مستمرة.
وتواجه كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا التحركات الروسية بصلابة وبجبهات مجتمعية صلبة وشن حروب غير تقليدية. كما تستضيف تلك الدول على مضض وحدات عسكرية من حلف الناتو بحجم كتيبة.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني الماضي فاز مرشح مؤيد للغرب في الانتخابات الرئاسية في مولدوفا بأغلبية ساحقة ضد الرئيس الذي يحظى بدعم روسي، وتتعاون مولدوفا من حلف الناتو لإصلاح وتحديث الهياكل الدفاعية والأمنية.
وزاد الغرب من حجم دعمه العسكري لأوكرانيا أكثر بكثير مما كان عليه من قبل، ويبلغ عدد القوات المسلحة الأوكرانية العاملة والاحتياطية أكثر من مليون فرد وهي في تزايد مستمر.
وقدمت الولايات المتحدة أكثر من 1.7 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بما في ذلك 250 مليون دولار وافق عليها الكونجرس الصيف الماضي خصص معظمها للتدريب ولمعدات مثل أنظمة الرادار وأنظمة مضادة للدروع وقوارب الدوريات البحرية.
وترى أوكرانيا الآن أن عضوية الناتو هي “المسار الاستراتيجي” للبلاد، وتسهم المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا أيضاً في تقييد تحرك القوات العسكرية الروسية، ما قد يهدد المصالح الغربية في أماكن أخرى.
ويساعد الغرب جورجيا على تعزيز دفاعاتها الإقليمية ولكن بزخم أقل، بعد الحرب الروسية ضدها واحتلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ولذلك يبدو أن التأييد الشعبي للانضمام إلى حلف الناتو يزداد قوة.
أما على الحدود الأوروبية لروسيا فالمواجهة تتركز في بيلاروسيا الشريك الرئيسي لروسيا. ومنذ اندلاع الاحتجاجات الضخمة في الشوارع في أغسطس / آب الماضي ضد نظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، انحازت موسكو إلى جانب الرئيس وأرسلت خبراء الدعاية لمساعدة لوكاشينكو. كما تستمر موسكو في تعزيز التكامل العسكري مع بيلاروسيا، وقد تشهد التدريبات العسكرية المشتركة الضخمة في الخريف المقبل تدفق قوات روسية كبيرة إلى بيلاروسيا.
وإذا تعثر لوكاشينكو في مرحلة ما واستخدم الكرملين القوة لإحباط ظهور حكومة أكثر ديمقراطية، فقد تفكر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في نشر المزيد من القوة في الجناح الشرقي للتحالف، وخاصة بولندا.
لم يكن الاندفاع نحو الشرق ضمن خطط الناتو عند توقيع روسيا على القانون التأسيسي للعلاقات المشتركة والتعاون والأمن مع الناتو عام 1997. وقد تضمنت الاتفاقية بشكل غير معلن ما معناه أنه “في ظل البيئة الأمنية الحالية والمتوقعة“ سوف يتجنب الناتو “تمركز القوات الإضافية الدائم“ في الدول الأعضاء الجديدة. وقد التزم الناتو بهذا التعهد من خلال إرسال قوات متبدلة غير مستقرة.
وفي غياب استخدام روسيا المفرط للقوة ضد جيرانها، لم يكن الناتو ليفكر في نقل هذا القدر الكبير من القوات إلى مواقع بالقرب من حدودها في دول الجوار.
وبما أن الكثير من عمليات النقل الروسية عبر أوكرانيا متوقف حالياً، فإن بيلاروسيا أصبحت أكثر أهمية بالنسبة لتجارة موسكو الكبيرة مع الاتحاد الأوروبي. وأي عراقيل في وجه هذه التجارة سوف تضعف الثقة في استقرار إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، وترفع تكاليف التجارة وتزيد من الحواجز، وتعيق قدرة روسيا على الاستفادة الاقتصادية من موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين الصين وأوروبا، وبالتالي تسمح ببروز العديد من المنافسين لها في السوق الأوروبية.