بقلم: جمال عبيدي – النهار العربي
الشرق اليوم- منذ استيلاء رجال الدين على الحكم في طهران عام 1979، والعالم العربي بأكمله يعاني من التدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية. فعلى الرغم من عقود من المطالبات الإقليمية والدولية للنظام الإيراني بالكف عن هذه التدخلات والتزام حدوده الوطنية إلا أن طهران لا تزال مصرةً على المضي قدماً في تحقيق مشروعها التوسعي وسياساتها التخريبية التي لم تستثن أياً من الدول العربية إلا وعبثت بأمنها وتركيبتها الاجتماعية والمذهبية والإثنية.
وفي ظل هذا المخاض الأمني والسياسي الحرج الذي يمر به العالم العربي، هناك حتماً من يتساءل كيف ومتى ستكف إيران عن ممارساتها وعن سلوكها المزعزع لأمن دول الجوارواستقرارها؟ متى ستصبح إيران دولة طبيعية كغيرها وتتعامل مع جوارها العربي والمسلم من خلال القنوات الدبلوماسية والسياسية كسائر دول العالم؟
فمن جهة، ولأسباب موضوعية ترتبط بطبيعة النظام السياسي في طهران الممتنع كلياً عن الانفتاح، وما يعتقده قادة الجمهورية الإسلامية – ساسةً وعسكر- وفي مقدمهم المرشد علي خامنئي وعموم المؤسسة الدينية في إيران، أن نظامهم هو نظام مقدس، وأن رسالتهم هي رسالة تحرير للشعوب (الشيعة تحديداً) من الظلم الواقع عليهم من قبل حكوماتهم (الدول العربية السنية)، فإن أي مطالبات عربية ودولية، على أحقيتها، لوقف هذه التدخلات لن تلقَ آذاناً صاغية بالمطلق لأنها تتعارض جذرياً مع المبدأ الأهم الذي يقوم عليه هذه النظام، وهو التوسع، ومن يرى غير ذلك فهو مخطئ وواهم.
وللدلالة على هذا، نقرأ في تصريح المرشد الأخير عن ضرورة دعم وتقوية ما أسماهم أصدقاء الجمهورية الإسلامية في العالم العربي، أي المليشيات الشيعية التي أنشأها الحرس الثوري في الدول العربية، حيث أكد المرشد في حديث تلفزيوني أن “من واجب الجمهورية الإسلامية أن تعمل على دعم وتقوية حلفاءها ومناصريها في المنطقة، وأن وجودها (عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري) في دول الجوار هو لدعم حلفائها هناك، مضيفاً، أن هذا هو “واجب الجمهورية الإسلامية!”. وفي هذا السياق أيضاً، كان قد أكد قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قآني، في كلام له في فقرة تلفزيونية، أهمية البرنامج الصاروخي ونشاط فيلق القدس في المنطقة، معتبراً إياهما السلاحان الاستراتيجيان لبلاده، وقال إن ضجيج الأعداء اليوم يهدف إلى منعنا من تطوير برنامجنا الصاروخي، ومنعنا من التوسع إقليمياً!
وعليه، فإن وجود هذه الميليشيات المسلحة المدعومة إيرانياً وسعي النظام في إيران لخلق مناطق توسع جديدة يثبت بلا شك أن أزمات الإقليم السياسية والأمنية والاقتصادية مصدرها الرئيس هو النظام الإيراني وأن المنطقة العربية لن ترى الأمن والاستقرار، بما فيها الداخل الإيراني، ما لم تتوقف طهران عن دعمها العسكري والسياسي والمالي لهذه الميليشيات الطائفية المسلحة. والسؤال الجوهري هنا، هل يمكن إرغام النظام الإيراني على وقف دعمه لهذه القوى والميليشيات الطائفية المسلحة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الدول العربية التي ينشط فيها الحرس الثوري عبر فيلق القدس؟
الجواب على هذا التساؤل يكمن في استمرار العقوبات الدولية المفروضة على النظام الإيراني بل وجعلها أكثر صرامة لتجفيف مصادر تمويل النظام لحرسه الثوري وما يتبعه من مؤسسات. فطهران ما لم تُرغم على تفكيك ميليشياتها المسلحة والطائفية في الجوار العربي، وما لم تكف عن العمل على تنصيب نفسها زوراً وبهتاناً كـ”حامي المواطنين العرب من الشيعة”، وما لم تكف عن المماطلة والمراوغة والكذب في الكشف عن نواياها النووية المثيرة للجدل وكذلك ما لم تسمح للمؤسسات الدولية المعنية بالوصول إلى منشآتها النووية السرية الواقعة تحت الجبال وبالقرب من المرافق العامة والمنشآت الحيوية، فإن أي حديث عن رفع للعقوبات يجب أن يكون أمراً بعيد المنال.
وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن إيران حتى وإن استطاعت امتلاك القنبلة النووية فهي لن تستخدمها وذلك لاعتبارات عدة لا مجال لسردها في هذه الورقة. في المقابل، فإن مشروعها التوسعي الطائفي الميليشيوي هو أخطر بكثير من مشروعها النووي على أمن واستقرار ومستقبل العالم العربي وأمنه القومي. وهنا أيضاً، لا بد لنا من التذكير بما قاله وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من أن إيران ربما تكون على بعد أسابيع من امتلاك مواد لسلاح نووي إذا ما واصلت خرقها الاتفاق النووي، وفي هذا قد تكمن خدعة أميركية- إيرانية لفصل القضايا الأخرى كـ”نشاط الحرس الثوري عبر فيلق القدس والبرنامج الصاروخي عن المفاوضات النووية المحتملة” وذلك لرفض إيران مناقشتها كلياً، وبهذا قد تكون الإدارة الأميركية قد رضخت لشروط طهران.
من هنا، وبالأخذ بالمكانة الاقتصادية والسياسية والبشرية لدول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية والأردن والمغرب والسودان، وإذا ما وضعنا إسرائيل جانباً لما لديها من اعتبارات خاصة تجاه إيران، فيجب على هذه الدول أن تضغط وبكل السبل لإقناع الإدارة الأميركية والدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لإرغام طهران على تفكيك ميليشياتها الطائفية المسلحة، وأن تكون دولة طبيعية كغيرها من دول الجوار المحبة للأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي، وأن يكون الشرط الأساس لرفع العقوبات عن طهران أن تفكك الأخيرة ما أسماه قائد فيلق القدس، إسماعيل قآني، السلاحان الاستراتيجيان لبلاده، وهما: أولاً، فيلق القدس وميليشياته المسلحة الطائفية في العالم العربي. وثانياً، تفكيك البرنامج الصاروخي البالستي.
في المحصلة، وإذا ما تم تحقيق ما ذكر أعلاه فإن ذلك لن يأتي بالنفع والسلام لدول الجوار العربي فحسب وإنما سيكون تحقيقاً لرغبة حقيقية للشعوب (الفرس والعرب والكرد والبلوش والأذربيجانيين) في إيران والتي عانت الويلات على مدى أربعة عقود جراء سلوك وسياسات قادة نظام الجمهورية الإسلامية.