بقلم: عمر علي بدوي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- تستعجل طهران تنبيه الوافد الجديد إلى البيت الأبيض بأزمتها والإسراع إلى حلها، عبر الزوارق التي تفخخ مياه الخليج والمضائق المائية والبحر الأحمر، واستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة بمنشأة فوردو النووية تحت الأرض، وتجديد دورها في تسهيل الحالة السياسية في العراق أو تعقيدها.
رسائل محدودة لكن مفهومة، بمعنى ألا تتجاوز ذلك إلى تسخين الجبهة مع إسرائيل مثلا، لأن ذلك قد يقلب المعادلة ويقوّي كفة تل أبيب التي ترفض أي تساهل مع طهران، ويضع الرئيس جو بايدن في مأزق أولوية الحفاظ على أمن إسرائيل.
لقد كانت الأعوام الأربعة الماضية مروعة بالنسبة إلى إيران، وهي تأمل أن يساعد وصول الرئيس بايدن في رفع أعباء تلك المرحلة السوداء عن كاهلها. خاصة بعد أن أعرب عن رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران في حال امتثالها لبنوده، لكن العراقيل التي وضعها الرئيس السابق دونالد ترامب، وجبهة الرفض التي تشكلت في المنطقة ضد أي عودة سلسة، وإصرار طهران على عدم تقديم أي تنازلات جديدة، قد تجعل من الرغبة في العودة عملية معقدة وصعبة.
واستبعدت أفريل هاينز مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، العودة القريبة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وقالت خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ “بصراحة نحن لا نزال بعيدين عن ذلك، وسنسعى إلى مناقشة قضايا أخرى أثناء دراسة العودة إلى الاتفاق، مثل المسائل المتعلقة بالصواريخ الباليستية الإيرانية، والأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران”.
هناك تحضيرات تشهدها المنطقة لأي احتمال وارد بعودة التفاهم السري أو العلني بين طهران وواشنطن؛ تقوّي دول الخليج من جبهتها الداخلية بتحقيق تقارب في وجهات النظر ومنع نفور أي من أطراف المجموعة. وأكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في القمة الخليجية التي عقدت في العلا ضرورة “توحيد جهودنا للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، خصوصا التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ الباليستية ومشاريعه التخريبية الهدامة”.
كما تقود تل أبيب جبهة مدعومة من دول في المنطقة لتعقيد العودة السلسة إلى الاتفاق النووي الذي تعِد به الإدارة الأميركية الجديدة.
وأفاد التلفزيون الإسرائيلي بأن تل أبيب تحذر من أن عودة الولايات المتحدة إلى البنود السابقة للاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس بايدن قد تؤدي إلى أزمة في العلاقات.
تستمر تصريحات جسّ النبض التي تتبادلها أطراف في المنطقة لاستيعاب الاندفاعة الأميركية المحتملة تجاه الملفات الملحة. إذ تقترح الدوحة نفسها كوسيط لمد جسور خليجية إيرانية تخفّف من التوتر وتساعد في سد فجوة الخلاف بين الأطراف. من جهتها لا تكف طهران عن إبداء رغبة شكلية للحوار، كان آخرها إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن “طهران مستعدة للحوار مع دول الخليج استجابة لدعوة قطر أو دعوة سابقة من الكويت”.
من جانبه، حدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الشرط العملي لكي تحقق دعوات الحوار الإيراني جدواها، وهو الالتزام بالاتفاقيات والتوقف عن اتخاذ الحوار كأداة للتسويف والهروب من الأزمات. وبشأن مستقبل الحوار الأميركي الإيراني المتوقع، قال بن فرحان “سنتشاور مع الولايات المتحدة بخصوص الاتفاق مع إيران ليكون ذا أساس قوي”، موضحا أن الدول الأوروبية تتفهّم أن الاتفاق السابق مع طهران يحوي نواقص، وقال “ضعف اتفاقيات سابقة مع إيران سببه عدم التنسيق مع دول المنطقة، وعلى النظام الإيراني أن يغيّر أفكاره ويركز على رخاء شعبه”.
مصير المنطقة لا يحدده مجرد الاتفاق مع إيران، لأن الكثير من المتغيرات أضحت تلعب دورا رئيسيا في تسخين الأجواء أو تبريدها، وليس المأزق الإيراني إلا واحد من ملفات عديدة تخيّم في فضاء المنطقة. وينبغي إرساء قواعد تفاهم مع واشنطن وكل اللاعبين لضمان تحقيق مصالح الدول العربية وعدم تكرار الخطأ نفسه الذي ارتكب إبان حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما بتجاوز هواجس ومآخذ دول المنطقة وتعريضها للمخاطر المحدقة التي تدفع أثمانها حتى الآن.
بمراجعة الخلفيات والأطروحات التي تتبناها الأسماء المعينة في طاقم عمل الرئيس الجديد بايدن، توجد ملامح متقاربة وربما متطابقة، مثل اتخاذ سياسة أكثر حدة وشدة تجاه تركيا، والاهتمام بجوانب حقوق الإنسان في السياسات العامة لواشنطن. ويبدو هناك شبه إجماع على تحقيق عودة مناسبة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما تفضله وتدعمه المجموعة الأوروبية بطبيعة الحال.
لا بد من اتخاذ استعدادات مناسبة من طرف دول المنطقة، التي تملك موقفا من العودة إلى الاتفاق السابق بكل العيوب التي تملأ تفاصيله، وهو ما يفسر الحركة الدؤوبة لإصلاح الثغرات وتقريب وجهات النظر وتقوية الجبهة الداخلية تحسبا لأي اختراق في منظومة المنهج الرادع الذي فرضته الإدارة الأميركية السابقة، كان آخرها ربط النظام في إيران مع تنظيم القاعدة وتوفير ملاذ آمن لعناصره، ما أدى في النهاية إلى دعم هجمات 11 سبتمبر، في مسعى لزيادة العراقيل في طريق الإدارة الجديدة وتسميم المزاج الأميركي تجاه أي تقارب محتمل مع إيران.
في جميع الأحوال، تبقى المنطقة مؤهلة ومستعدة لهبوب رياح جديدة في ظل رئيس أميركي جديد شهيته مفتوحة تجاه طهران وأمامه الكثير من العراقيل التي يجب أن ترفع لتحقيق وعده. الأمر الذي ترفضه مجموعة من دول المنطقة ترى أن مكسب إضعاف إيران الذي تحقق خلال الدورة الرئاسية السابقة لا يمكن التفريط به، وأنها لا تقبل بأقل من عودة مشروطة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وتحضّ واشنطن على التشاور مع حلفائها في الشرق الأوسط بشأن الشكل الجديد الذي يجب أن تكون عليه الصفقة، والتي تمكن من الحد الفعلي لقدرة طهران على تطوير أسلحة نووية أو صاروخية وتخفف من آثار سلوكها التخريبي والمؤذي لدول المنطقة وشعوبها.