بقلم: علي أبو حبلة – صحيفة “الدستور” الأردنية
الشرق اليوم – أحداث طرابلس لم تكشف فقط هزال الجهات الرسمية، السياسية والأمنية، في حمايتها من المخاطر التي تهدّدها، بل كشفت أيضاً عجز وغياب قواها السياسية كليّاً عن مسرح الأحداث، وعدم وجود أي مرجعية سياسية تستطيع الذود عن المدينة كما الحال في مناطق أخرى.
ولفت المراقبون إلى أنّ “تراجع حضور ونفوذ تيّار المستقبل أخيراً في طرابلس كما في الشارع السنّي، وهو الذي لم يستغل سيطرته على هذا الشارع وإمساكه به لسنوات منذ عام 2005، في تحقيق الحدّ الأدنى من الإنماء والتماسك، وعدم قدرة أو رغبة آخرين كالرئيس نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي والنائب السابق محمد الصفدي وغيرهم في ملء الفراغ الذي تركه تيار المستقبل خلفه، ودخول بهاء الحريري وسواه على خط منافسة تيّار المستقبل في البيئة السنّية، لغايات وأهداف مختلفة، ترك المدينة والشارع السنّي معلّقين في الهواء، بلا أي أفق أو أمل بغدٍ أفضل”.
لبنان في عين العاصفة وطرابلس إلى الواجهة مجدداً بعد تسلم إدارة بايدن وبات كل فريق من فرقاء المحاور يسعى لتمرير أجنداته في لبنان باعتباره خاصرة سوريا الرخوة، وتخشى أمريكا وإسرائيل لبنان القوي ولأجل هذا يتعرض لمؤامرة كبرى لا تقل عن ما تعرض له العراق وسوريا ولبنان واليمن وأحداث طرابلس مؤامرة بثوب استغلال حالة الجوع والفقر بسبب الحصار الاقتصادي الذي تتعرض له سوريا ولبنان مما زاد في حالة الاحتقان وتستغل بأبشع أنواع التدخلات الدولية والإقليمية، ووفق المخطط عادت طرابلس لتتصدر الأحد المشهد الدامي في طرابلس، مع تحوّل التظاهرات لتكتسي العنف، مما أبقى كل الأنظار شاخصة إلى طرابلس ضمن محاولات تجيير الصراع لياخذ أبعاده المذهبي، وهناك جهود تقود إلى محاولة تطويق أحداث طرابلس وقراءة خلفياته وأبعاده، في حال وجود أي أبعاد غير عفوية له، بسبب سوء الأوضاع المالية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية.
الثابت انّ المحرِّك الأساس للناس في طرابلس وغيرها من المناطق في لبنان هو الواقع المأسوي المعيشي، بعيداً عن كل نظريات المؤامرة و التحريك من بُعد، لكن هناك أيادي خفيه تعبث بلبنان وتستغل التظاهرات لتمرير المؤامرة وإذكاء نيران الفتنه بين اللبنانيين، ومن ينكر هذا الواقع يكون إما يعيش في كوكب آخر، أو يكابر من أجل عدم الإقرار بمسؤوليته مما آلت إليه الأوضاع، كما لا يريد أن يُقدم على أي مبادرة أو خطوة أو تنازل لتغيير هذا الواقع. فالأكيد انّ الدافع الأساس لنزول الناس إلى الشارع، وتحدّي جائحة كورونا التي تجتاح لبنان، هو الجوع والوجع والفقر والغضب، فمن لا يجد الطعام لتقديمه لأولاده لا يُلام على ردّة فعله، ومن يُلام هو من لا يشعر مع الناس ويترك الوضع يتدهور من السيئ إلى الأسوأ، ويتعامل مع الأزمة الحكومية على قاعدة الحصص لا مصلحة البلد والناس. ولكن هذه الحقيقة لا تنفي ثلاث حقائق:
الحقيقة الأولى، أنّ تطوّر الوضع الميداني الإحتجاجي الشعبي كفيل لوحده أن يشكّل عامل ضغط على القوى المعنية بتأليف الحكومة، من أجل أن تتجاوز العِقَد التي حالت حتى اليوم دون التأليف.
الحقيقة الثانية، هي انّه لا يُفترض استبعاد فرضية أنّ هناك من يحاول توظيف الاحتجاجات العفوية سياسياً، من أجل تسريع وتيرة التأليف.
الحقيقة الثالثة، هي أنّ هناك في استمرار من يسعى إلى تفجير الوضع اللبناني، وقد وجد في الاحتجاجات والوضع المالي والمعيشي المأزوم، مناسبة وفرصة لضرب آخر ركائز الاستقرار اللبناني ومرتكزاته. وبمعزل عن صحة الحقائق أعلاه أو عدمها، إلّا أنّ ما يحصل قابل للتمدّد كالنار في الهشيم، بسبب سوء الأوضاع المعيشية، وهي حالة مشتركة بين جميع اللبنانيين، وبالتالي تداركاً لما هو أسوأ، يجب الإسراع في تأليف الحكومة التي يشكّل مجرّد تأليفها تنفيساً للاحتقان، وذلك قبل فوات الأوان.