بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – لا تلقى محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مد اليد نحو إسرائيل تجاوباً فعلياً. ويكتفي الكثير من المسؤولين الإسرائيليين ووسائل الإعلام بتحليل الأسباب التي تدفع الزعيم التركي إلى إبداء الرغبة في رأب الصدع مع الدولة العبرية في هذا الظرف بالذات، من دون إظهار كبير أهتمام بالتوجه التركي الجديد.
هناك من يرى أن انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، يعني أن فترة السماح التي تمتع بها أردوغان في ظل عهد دونالد ترامب انتهت. فالكيمياء الشخصية التي ربطت بين الرجلين، غير متوافرة الآن بقدوم بايدن إلى البيت الأبيض. ولذلك، فإن التقارب مع إسرائيل، قد يكون إحدى الوسائل التي يبتغي الرئيس التركي من ورائها، نسج علاقات وطيدة مع البيت الأبيض في الأعوام الأربعة المقبلة.
وعلاوة على ذلك، لا تبدو العلاقات التركية – الأوروبية على ما يرام، وتخيم عليها الاندفاعة التركية للتنقيب عن النفط في شرق المتوسط، فضلاً عن التدخل العسكري في ليبيا، وضد الأكراد في شمال سوريا، وأخيراً الدعم العسكري التركي لأذربيجان في حربها ضد أرمينيا، والدخول في سجال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودعوته إلى مقاطعة البضائع الفرنسية في العالم الإسلامي على خلفية إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد في فرنسا.
كل ذلك، خلق مناخاً من العزلة الأوروبية حول تركيا. وأما في العالم العربي، وباستثناء قطر، فيسود التوتر العلاقات بين أنقرة ودول الخليج ومصر.
الإنفلاش التركي العسكري والسياسي في سنوات ترامب، قد يكون عزز نفوذ أنقرة في المنطقة، لكنه أوجد لها أيضاً الكثير من الأعداء.
وذهب أردوغان في معاداة الغرب وأميركا الى أكثر مما ينبغي وأكثر من طاقة تركيا على الاحتمال. ومثال على ذلك، أدى الإصرار على شراء النظام الدفاع الجوي الروسي “أس-400″، إلى توتر غير مسبوق مع واشنطن، دفع حتى بـ”صديقه” ترامب إلى الموافقة تحت إلحاح الكونغرس على معاقبة أنقرة وإقصائها عن المشاركة في برنامج انتاج المقاتلات “إف-35”. ولم يستطع المسؤولون الأميركيون، ثني أردوغان عن صفقة الصواريخ مع روسيا، رغم أنهم عرضوا عليه استبدال صواريخ “باتريوت” الأميركية بها. لكن من دون جدوى.
وفي وضع مشابه، أوعز أردوغان بالتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط بشكل آحادي. وذهب إلى ليبيا ليوقع مع حكومة الوفاق الوطني، اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، في مقابل دعم عسكري لمواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
هذا الاتفاق اعتبرت اليونان وقبرص ومصر أنه يقضم حقوقها في شرق المتوسط، وتالياً صعدت هذه الدول مواقفها، وأيدتها فرنسا في ذلك. وانتقلت المسألة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي حذر أول الأمر أردوغان، من المضي في مشروع التنقيب من جانب واحد. بيد أن التحذيرات الأوروبية لم تلقَ آذاناً صاغية في أنقرة، فما كان من بروكسيل الا أن لجأت إلى فرض دفعة أولى من العقوبات التحذيرية على تركيا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وبدأ تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية، ينعكس سلباً على الاقتصاد التركي الذي يعاني أصلاً متاعب جمة، دفعت الليرة التركية إلى فقدان المزيد من قيمتها في مقابل الدولار.
ولم تعوض العلاقات الوطيدة مع روسيا ومع إيران، ما تفقده تركيا نتيجة علاقاتها السيئة مع الغرب، لا سيما في الشق الاقتصادي.
في ظل هذه العزلة ومع انتخاب بايدن، شرع أردوغان في إعادة حساباته. فوافق على إجراء مفاوضات مباشرة مع اليونان حول التنقيب عن الغاز في المتوسط.
وإذا كانت المفاوضات مع اليونان تبعث برسائل تهدئة إلى الاتحاد الأوروبي، فإن مد اليد الى إسرائيل غايته، مد الجسور مع الإدارة الأميركية الجديدة. أي أنه يود أن يخطب ود بايدن من البوابة الإسرائيلية.
ووجدت إسرائيل في الإشارات التركية مناسبة لتبدأ طرح سلسلة مطالب وشروط على أردوغان. وفي مقدم هذه الشروط، قطع العلاقات مع حركة “حماس”، والتوقف عن استخدام لغة عالية النبرة في الخطاب السياسي التركي حيال إسرائيل، وخصوصاً عدم التدخل في السياسات الإسرائيلية حيال قطاع غزة.
في مرحلة ما، عندما كانت إسرائيل في عزلة وسط محيطها، كانت تركيا هي المتنفس الوحيد لتل أبيب. أما بعد مرحلة التطبيع مع دول عربية، فإن إسرائيل ترى نفسها اليوم في موقع من يملي الشروط على أنقرة وليس العكس.