بقلم: خيرالله خير الله – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يتولّد لدى من يستمع إلى شهادات كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن في مجلس الشيوخ، بمن في ذلك وزير الخارجية أنطوني بلينكن، انطباع بأنّ الإدارة راغبة في العودة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. من أجل تأكيد الرغبة في العودة إلى الاتفاق، عيّن بايدن روبرت مالي، أو روب مالي، كما يناديه القريبون منه، مسؤولا عن ملفّ إيران. سيعمل مالي، الذي يتظاهر بأنه يساري، والذي لا يخفي تعاطفه مع النظامين الإيراني والسوري فضلا عن “حزب الله” و”حماس”، مع وزير الخارجية ويقدّم تقاريره مباشرة إليه.
وقّع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني صيف العام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما. لعب بلينكن ومالي دورا في المفاوضات السرّية التي أدت إلى الاتفاق الذي وقعته مجموعة الخمسة زائدا واحدا مع إيران، أي البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا.
لكنّ هذه الرغبة الأميركية في العودة إلى الاتفاق الذي مزّقه الرئيس دونالد ترامب في العام 2018 مرتبطة بعوامل أخرى تحدّث عنها وزير الخارجية الأميركي الجديد نفسه أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. بين هذه العوامل جعل الاتفاق مع إيران أكثر شمولا واتساعا على أن تشارك فيه دول أخرى في المنطقة مثل المملكة العربيّة السعودية وإسرائيل.
تعني عبارة أكثر شمولا أنّه يفترض أن يتناول أي اتفاق مع إيران سلوكها في المنطقة، أي مشروعها التوسّعي، والصواريخ الباليستية التي تمتلكها فضلا عن طائرات من دون طيّار استخدمتها في مناسبات عدّة بطريقة مباشرة أو عبر أدواتها المختلفة من ميليشيات تأتمر بأوامرها.
هل سيعمل مالي على تنفيذ هذه السياسة الأميركية التي تأخذ في الاعتبار أن الوضع في المنطقة كلّها تغيّر منذ العام 2015، بما في ذلك استغلال إيران للأموال التي حصلت عليها من إدارة أوباما بمجرّد توقيع الاتفاق في شأن ملفّها النووي لدعم ميليشياتها المذهبية في المنطقة؟ هذا هو السؤال الكبير الذي سيطرح نفسه، خصوصا أن كلّ ما صدر عن “مجموعة الأزمات الدولية”، وهي منظمة غير حكومية يشرف عليها مالي، يشير إلى أن الرجل ينتهج خطا مؤيدا لإيران لا أكثر، خصوصا أنّ هدفه الأوّل كان الدفاع عن الاتفاق في شأن ملفّها النووي من جهة وانتقاد كلّ ما قامت به إدارة ترامب من جهة أخرى. تتلخص مواقفه بأنّ الاتفاق كان مفيدا وأن كلّ ما قامت به إدارة ترامب كان سيّئا، بما في ذلك فرض أقصى العقوبات على “الجمهورية الإسلاميّة”.
بغض النظر عن الخط الذي سيسير فيه مالي، سيبقى السؤال مرتبطا بمدى تأثيره على الإدارة الجديدة التي ستجد نفسها عاجلا أمام وقائع جديدة. في مقدّم هذه الوقائع أن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران أدّت مفعولها. هل ستتجاهل الإدارة هذه الوقائع وأن المنطقة في 2021 ليست المنطقة في 2015 وأنّ العقوبات الأميركية كشفت أنّ إيران نمر من ورق؟
الأهمّ من ذلك كلّه، هناك الصواريخ الإيرانية. الصواريخ في خطورة البرنامج النووي الإيراني. في النهاية لو امتلكت إيران كلّ ما تريده من قنابل نووية، يبقى السؤال ما الذي ستفعله بهذه القنابل؟ أما الصواريخ الإيرانية، فقد استخدمت في مناسبات عدّة كانت آخرها قصف مطار عدن قبل أسابيع قليلة. أصيب مطار عدن إصابة دقيقة بصواريخ أطلقت من منطقة تعز، أي من مسافة تزيد على مئة كيلومتر جوّا، وذلك في وقت كانت تحط في المطار طائرة مدنية تنقل أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة. أكثر من ذلك، يطلق الحوثيون صواريخ إيرانية بين وقت وآخر في اتجاه الأراضي السعودية. قبل ذلك، في أيلول – سبتمبر 2019، أصابت صواريخ إيرانية منشآت لشركة “أرامكو” السعودية في منطقة ابقيق داخل المملكة. وقد أثر ذلك مؤقتا على صادرات النفط السعودي.
عاجلا أم آجلا، سيتبيّن أن لا مفرّ من التعاطي مع مسألة اسمها الصواريخ الإيرانية. ليس معروفا كيف سيتصرّف المسؤولون في الإدارة الأميركية الجديدة.
لكنّ الأكيد أنّ كل النظريات التي ينادي بها مالي لا تساعد في إحراز أي تقدّم في مجال تحويل إيران إلى دولة طبيعية تهتمّ بشؤون شعبها ورفاهته بدل تصدير أزماتها إلى خارج حدودها.
الأكيد أنّ تسليم ملفّ إيران إلى شخص مثل مالي لا يوحي بالثقة، بل يطرح أسئلة في ما يخصّ طريقة عمل إدارة بايدن وقدرتها على أن تبني على ما حققته إدارة ترامب بدل التنكر لها. ففي السنة 2000، كان مالي بين الذين وقعوا مقالا صدر في نشرة “نيويورك ريفيو اوف بوكس” (New York Review Of Books) يبرر موقف ياسر عرفات في القمة التي جمعت بينه وبين الرئيس بيل كلينتون وإيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي في كامب ديفيد. كانت الحجة التي اعتمدها مالي أن باراك لم يقدّم شيئا لأبوعمّار وأن الرئيس الفلسطيني لا يتحمّل أي مسؤولية عن فشل القمّة الثلاثية. هذا ليس صحيحا، بل كان يمكن القول إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يقدّم لعرفات وقتذاك شيئا كافيا وكان مفترضا بالزعيم الفلسطيني الأخذ والردّ بدل جعل بيل كلينتون يشعر باليأس منه ويوصي خليفته جورج بوش الابن بوقف أي تعامل معه.
أساء أشخاص مثل مالي إلى القضيّة الفلسطينية. أساء من حيث يدري أو لا يدري. هل كان حسن النيّة أم لا؟ مثل هذا الأمر ليس معروفا، لكنّ كلّ ما فعله وقتذاك أنّه لعب دوره في أخذ الزعيم الفلسطيني إلى الهاوية وإلى القطيعة مع واشنطن. عمليا، خدم اليمين الإسرائيلي، من منطلق أنّه أميركي يهودي من أصل مصري متعاطف مع قضايا الشعوب!
ستظهر الأيّام والأسابيع المقبلة هل لدى إدارة بايدن سياسة شرق أوسطية وخليجية واضحة أم أنّها إدارة حائرة. هل تعرف ما هي إيران بنظامها الحالي أو لا؟ هل تعرف أن أشخاصا مثل مالي أو غيره لا يمكن أن يغيّروا شيئا في السلوك الإيراني؟
سيبقى مطروحا ما العمل بالصواريخ الإيرانية وكيف يمكن وضع حدّ لمحاولات إيران ضرب الاستقرار الإقليمي عبر هذه الصواريخ وعبر ميليشياتها المذهبية، أكان ذلك في العراق أو في سوريا أو في لبنان أو اليمن…