الشرق اليوم- سيضطر جو بايدن لاتخاذ قرار شائك حول أفضل طريقة لتحسين وضع بلده، فالرئيس الديمقراطي البالغ من العمر 78 عاماً يبدو أكثر براعة في إلقاء الخطابات حول وحدة البلد والمصالحة بدل تبنّي مقاربة حاسمة. هو لم يدعم إجراءات عزل ترامب أو محاولة إدانته في مجلس الشيوخ رغم ارتفاع الأصوات التي تطالب بتحقيق العدالة غداة أعمال الشغب في مبنى الكابيتول، كما أنه لم يعبّر عن رغبته في إجراء تحقيقات جنائية حول تصرفات ترامب، منها تحريض مثيري الشغب على اقتحام الكابيتول والضغط على المسؤولين لتغيير نتائج الانتخابات، بل ترك القرار لوزارة العدل والنائب العام الذي عيّنه ميريك غارلاند. يجب أن يعرف كل من ينتظر مبادرة كبرى لمعالجة البلد من مشاكله أن بايدن أعلن منذ أشهر أنه لا يخطط لإنهاء هذا الكابوس الوطني المطوّل بهذه الطريقة.
لكنّ امتناع بايدن عن التكلم حول ما ينوي فعله لمعالجة الانقسامات العميقة داخل البلد والضغوط المتصاعدة لمحاسبة دونالد ترامب لن يبقى خياراً ممكناً بعد فترة، وعلى بايدن أن يحاول التوفيق بين قوة جارفة مستجدة والثوابت المعروفة. يقول مساعدوه إنه سيرفض الاختيار بين “الشفاء” و”العدالة” ويفضّل مقاربة مختلطة حيث يُركّز على المصالحة ويسمح للنائب العام ميريك غارلاند والنيابة العامة في الدولة والولايات المحلية بتعقب الأدلة وصولاً إلى توجيه التُهَم ضد ترامب ومحاكمته إذا سمحت الظروف بذلك. في هذا السياق، قال بايدن في الخطاب الذي اقترح فيه حزمة تحفيزية بقيمة 1.9 تريليون دولار: “الوحدة ليست حلماً خيالياً، بل إنها خطوة عملية لإنجاز المهام المطلوبة معاً كبلد موحّد”.
لا يهتم الرئيس الأميركي الجديد بمصير ترامب بقدر ما يهمّه مصير مناصري ترامب. ففي أوساط بايدن الداخلية، يتعلق الهدف الأساسي بنقل الولايات المتحدة من عهد هزلي إلى عهد جدّي حيث تتحول اللياقة والثقافة الأميركية الودّية إلى مظاهر دائمة ومتكررة لدرجة أن تصبح جزءاً مألوفاً وصادقاً من البلد.
ستكون هذه العملية الانتقالية شائكة لأن شرائح واسعة من المجتمع تمرّ بفورة عاطفية فائقة، لذا قد يشكّل التركيز على مصير ترامب مصدر إلهاء هائل وسبباً لإضعاف التشريعات الطموحة التي يريد بايدن تمريرها.
يظن المقربون من بايدن أن الحل يقضي بالتركيز على المسائل التي يستطيع الرئيس الجديد التحكم بها، بما في ذلك الرسائل المرتبطة بالمبادرات المقترحة. من الضروري أن تُفسَّر منافع التشريعات المطروحة بطريقة تحاكي مخاوف ناخبي ترامب وقاعدة الحزب الديمقراطي في آن.
في هذا السياق، يقول مسؤول مشارك في العملية الانتقالية وأحد موجّهي غارلاند: “لا يستطيع بايدن فعل شيء للتأثير بقدرة ترامب على الترشّح للرئاسة مجدداً في عام 2024 أو كتابة التغريدات أو إحداث ضجة وسط الناس”. إذا أُدين ترامب في مجلس الشيوخ، فقد يُمنَع من الترشح للمنصب الرئاسي مجدداً، لكن يعتبر بايدن هذه المسألة خاصة بالحزب الجمهوري، علماً أن 17 جمهورياً سيضطرون للتصويت على قرار إدانته. يضيف ذلك المسؤول نفسه: “ما يستطيع بايدن فعله هو طرح أجندة تعالج مخاوف ناخبي ترامب على أمل أن يتلاشى غضبهم حين تتحسن ظروف حياتهم”.
يظن مناصرو بايدن من جهتهم أن معظم نقاط أجندته المرتقبة تستطيع تهدئة المخاوف التي دفعت شريحة واسعة من أصحاب البشرة البيضاء في الطبقة العاملة إلى دعم ترامب، لأن تلك الأجندة تشمل نقاطاً مثل زيادة الشيكات التحفيزية، ورفع مستوى الإنفاق على البنى التحتية لخلق فرص عمل جديدة، وتمويل برامج تدريبية لمنح العاملين في مجال الفحم والفولاذ المهارات اللازمة للعمل في شركات الطاقة الخضراء. ما من خطة واضحة لمراجعة مسار انتخابات عام 2020 والتحقيق بمزاعم التزوير التي يلوّح بها مناصرو ترامب، لكن يبدو بايدن مستعداً لبذل جهود شاملة للتعمق بالممارسات الانتخابية من خلال توفير التمويل اللازم مثلاً لمساعدة الجماعات المحلية على تحسين الأمن الإلكتروني.