بقلم: علي أبو حبلة – صحيفة “الدستور” الأردنية
الشرق اليوم – إذا كانت إسرائيل تتصدر تقليديا سلم الأولويات والمصالح التي يضعها صانعو القرار السياسي الأمريكي، فإن الأدوار الجديدة التي لعبتها إسرائيل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في فترة إدارة الرئيس السابق ترامب والخطوات الدبلوماسية التي قامت بها هذه الأخيرة بالمنطقة في الساعات الأخيرة، تضع الإدارة الجديدة أمام مهمة صعبة.
وتأتي في مقدمة تلك الخطوات اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وهي خطوات يؤيد كثيرون في الولايات المتحدة ولدى شركائها في الاتحاد الأوروبي والدول العربية، الحفاظ عليها. وتُطرح فرضية إقدام بايدن على إطلاق محادثات إسرائيلية – فلسطينية جديدة على غرار محاولات سلفه الديمقراطي أوباما، لكن يبدو من المستبعد تكرارها – على الأقل – بنفس المنطلقات التي استندت إليها إدارة أوباما في ولايته الثانية، تفاديا لتكرار الفشل.
وحجة أصحاب هذا الرأي أن اللاعبين هم أنفسهم ونقاط الخلاف هي نفسها، وفي الدبلوماسية كما في لعبة الشطرنج، يؤدي لعب نفس الحركات بنفس القطع دائما إلى نفس النتيجة، كما يستنتج الكاتب الصحفي المحافظ بريت ستيفنس بصحيفة “نيويورك تايمز” في مقال له بمجلة “كومنتري ماغازين” التي تصدرها هيئات يهودية نافذة بنيويورك، بعنوان “مذكرة إلى الرئيس بايدن: رجاء لا تفسد اتفاقيات إبراهام”.
المواقف الصادرة، حتى الآن، عن مسؤولين في إدارة جو بايدن، حيال عدد من الملفات الخارجية المهمّة، تُظهر غلبة منطق الاستمرارية على منطق القطيعة مع السياسات التي اتّبعها دونالد ترامب. سيسارع الكثيرون إلى التأكيد أن الولايات المتحدة، كقوة عظمى، أشبه ما تكون بالسفينة الكبرى. وهي، بحكم حجم مصالحها و التزاماتها على النطاق الدولي، لا تستطيع الشروع في استدارات سريعة، بل في تغيير تدريجي لوجهتها. ويخلصون إلى أن من المبكر جدّاً إدراك الأجندة الفعلية لإدارة بايدن استناداً إلى هذه التصريحات. ويضيف البعض، كالباحث ستيفين مايلز على موقع “فوكس”، أن “جو بايدن لم يَعِد أبداً بأن يكون ثورياً وأن يسعى لتغيير جذري. لذلك، فإن ما رأيناه الى الآن على مستوى اختيار الأشخاص، والسياسات التي يطرحها، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً. وإذا ما أخذنا في الاعتبار مدى تصدّع سياستنا الخارجية، فإن المرحلة الانتقالية ستكون أطول بكثير مما يريده التقدّميون”، قد تتضمّن هذه الآراء قدراً من الصحة، لكن حدّة النقد الذي وَجّهه بايدن وفريقه لسياسة ترامب الخارجية وتداعياتها الكارثية بالنسبة إلى الولايات المتحدة ومصالحها، رفع سقف التوقّعات بأن تُباشِر الإدارة الجديدة الإعلان عن سياسة خارجية تخالِف بوضوح سابقتها. وما غذّى تلك الآمال هو هوية المعنيّين بهذه السياسة، وخلفيّاتهم الفكرية المتمايزة، إلى حدّ التناقض غير أن المعطيات المتقدّمة التي تكشف، في ما يتعلّق بمنطقتنا، استمرارية الانحياز الأميركي الكامل وغير المشروط لإسرائيل، لا تُلغي مؤشرات أخرى عن احتمال تغيير في مقاربة واشنطن لملفّات كالحرب على اليمن، وإمكانية تعامل أكثر مرونة مع طهران. بين هذه المؤشرات، يأتي تعيين أشخاص كجايك سوليفان، رئيساً لمجلس الأمن القومي، وجو فاينر نائباً له، وبريت ماك غورك مسؤولاً للشرق الأوسط في المجلس، والمعلومات المُسرّبة عن احتمال اختيار روبرت مالي مبعوثاً رئاسياً خاصاً لإيران، وما أثارته من اعتراض محموم من قِبَل أوساط صهيونية متطرّفة وجماعات ضغط أو بالمعارضتين الإيرانية والسورية. ونظراً إلى مركزية الدور الذي يضطلع به مجلس الأمن القومي في عملية صناعة القرار الخاص بالسياسة الخارجية، نتيجة لتفاعله اليومي مع رئيس البلاد، والذي تَضخّم كثيراً في العقود الماضية إلى درجة أنه بات يفوق في الكثير من الأحيان ذلك الذي تقوم به وزارة الخارجية، فإن الالتفات إلى خلفيّات القادمين الجدد إلى هذا المجلس واقتناعاتهم قد يساعد في إدراك وجهة التعديلات الممكنة التي قد تطرأ على السياسة الخارجية، تجاه الشرق الأوسط تحديداً، وربّما مداها. هؤلاء بين أكثر أعضاء فريق بايدن إلماماً بقضايا المنطقة، وهناك قدر من الانسجام في تصوّراتهم حول كيفية التوصّل إلى حدّ من تخفيض التوتر في الإقليم يناسب المصالح الأميركية.