الشرق اليوم- ربما يكون التشدد تجاه العلاقات مع الصين من القضايا النادرة التي لا تختلف فيها سياسات الرئيس الديمقراطي الجديد جو بايدن، عن سلفه الجمهوري دونالد ترامب.
فقد خرجت إشارات سريعة وخطوات مختلفة خلال الأسبوع الأول من إدارة بايدن، تدفع تجاه سياسات متشددة تبدو في أفق علاقات واشنطن المتوقعة مع بكين.
فقد أقرّ وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن، خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ، أن الصين تشكل التحدي الأكبر للولايات المتحدة، وتعهد باتخاذ “نهج أكثر صرامة تجاه الصين”.
وقال بلينكن: “اسمحوا لي فقط أن أقول إنني أعتقد أيضا أن الرئيس ترامب كان على حق في اتخاذ موقف حازم تجاه الصين”، ثم قال في أول مؤتمر صحفي له إن “إدارة بايدن تتفق مع تقييم إدارة ترامب بأن بكين ترتكب إبادة جماعية ضد الإيغور المسلمين في الصين”.
ووصف وزير الدفاع الجديد الجنرال لويد أوستن الصين، خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ، بأنها تمثل “خطرا متزايدا، وأن التصدي لها سيكون من أبرز اتجاهات أنشطة البنتاغون” في عهد بايدن.
أما مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، فقد أشار -في حديث له أمام معهد السلام بواشنطن يوم الجمعة- إلى أن “الصينيين يعتقدون أن نموذجهم أنجح من النموذج الأمريكي، وهذا ما يروجون له حول العالم”.
اختلافات قليلة
واتفق خبير العلاقات الأمريكية الصينية في مجلس العلاقات الخارجية جوش كورلانتزيك، مع أن إدارة بايدن تتجه لتبني سياسات متشددة تجاه الصين.
وأشار كورلانتزيك -في حديث مع الجزيرة نت- إلى أنه “على الرغم من ارتفاع درجة الاستقطاب في النظام السياسي الأمريكي حاليا وبصورة غير مسبوقة، فإن هناك قدرا لا بأس به من الإجماع على ضرورة مواجهة سياسات الصين بين الديمقراطيين والجمهوريين، وأعتقد أنه قد تكون هناك بعض الاختلافات الصغيرة نسبيا بين الاثنين، لكن ليس بدرجة كبيرة كما قد يعتقد البعض”.
ويعتقد كورلانتزيك أن تكون السياسة التجارية هي محل الاختلافات بين الطرفين، كما أن بايدن قد يحاول التواصل بصورة أكبر مع الصين بشأن بعض القضايا الحرجة مثل تغير المناخ، ولكن من المرجح أن يحافظ على نهج قوي إلى حد ما تجاه بكين مثل ترامب بشأن قضايا التكنولوجيا والقضايا التجارية والأمنية وما إلى ذلك، “أعتقد أنه قد تكون هناك لهجة عامة أقل عدائية قليلا، ولكن الكثير من السياسة نفسها ستكون في الواقع هي نفسها”.
وصل الرئيس بايدن إلى الحكم وسط تعرض بلاده والعالم لجائحة فيروس كورونا، والتي وصلت فيها الوفيات بسبب الفيروس إلى أكثر من 400 ألف أمريكي، فضلا عن إصابة 23 مليونا آخرين يوم تسلمه السلطة في 20 يناير/كانون الثاني الجاري.
ونتج عن الجائحة تعرّض الاقتصاد الأمريكي والعالمي لكساد وانكماش غير مسبوق. وتسبب سوء الأداء الأمريكي في مواجهة تداعيات فيروس كورونا، في هزّ الثقة العالمية بقدرة الولايات المتحدة على قيادة المنظومة الدولية، في وقت حاولت فيه الصين استغلال تداعيات انتشار فيروس كورونا لتثبيت مكانتها الدولية، خاصة في موجهة النفوذ الأمريكي حول العالم.
وقبل 8 أيام من انتهاء حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، رفع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض السرية عن وثيقة استخبارية تُفصل للتوجيهات الإستراتيجية الشاملة تجاه الصين.
وجاءت الوثيقة -التي أطلعت عليها الجزيرة نت- في 10 صفحات، وشرحت التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة من قوة الصين الصاعدة والحازمةً، ودعت لوضع خطط تخدم مصالح واشنطن في الأقاليم المجاورة للصين، من خلال حشد الحلفاء الإقليميين ومساعدتهم على تحقيق مصالحهم المشتركة مع واشنطن في مواجهة تطلعات بكين.
وتنص الوثيقة على أنه يتعين على الولايات المتحدة الحفاظ على “التفوق الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي” في المنطقة، مع “منع الصين من إنشاء مناطق نفوذ جديدة غير ليبرالية”.
واعتبر عدد من المعلقين أن إدارة ترامب، من خلال نشرها العلني للوثيقة، كانت تحاول ربط إدارة بايدن الجديدة بسياساتها تجاه العداء للصين.
حرب باردة جديدة
وفي ندوة نظمها المجلس الأطلسي بواشنطن حول العلاقات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة، ذكر دان يريغين نائب رئيس شركة “آي إتش إس” (IHS) للاستشارات الإستراتيجية، أن أكبر اقتصادين في العالم يتصادمان على أسس أيديولوجية وتنافس عسكري وتكنولوجي حاد.
ويرى بريغين أن البلدين بصدد “حرب باردة جديدة، لكنها ليست كالحرب الباردة السوفياتية الأمريكية، لأن اقتصادات الدولتين مترابطة بصورة شديدة التعقيد، نحن لا نتعامل مع دولة مغلقة كالاتحاد السوفياتي يمكن احتواؤها بإغلاق الباب عليها”.
ويضاعف من مخاطر تصادم القوتين على العالم ترابطهما الاقتصادي الضخم وتأثر بقية العالم به. وتشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى وصول حجم التجارة بين الدولتين إلى ما يقرب من 560 مليار دولار عام 2020، وذلك على الرغم من التشدد تجاه الصين وتبني ترامب سياسة الحرب التجارية ضدها. وقد صدرت الصين منتجات قيمتها 433 مليار دولار للولايات المتحدة، في حين بلغت قيمة صادرات أمريكا لها مبلغ 125 مليار دولار.
ويتفق بايدن مع ترامب على ضرورة محاسبة الصين على دورها في انتشار فيروس كورونا، ولكن على عكس ترامب، يؤمن بايدن بضرورة تقوية تحالف متعدد الأطراف من الحلفاء ذوي التفكير المماثل، لمواجهة ما يعتبره تهديدات صينية وممارسات غير عادلة.
وقد تواصل وزير الخارجية الأمريكي الجديد في أيام عمله مع نظرائه في دول محيطة بالصين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلند، وكانت تهديدات بكين على رأس القضايا التي تم بحثها.
وترغب الولايات المتحدة في الحفاظ على مكانتها كأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، وهو ما يدفع البعض للضغط تجاه تبني معادلات صفرية في علاقتها مع الصين التي تنازعها اقتصاديا وعسكريا.
من هنا، رأى عدد من المعلقين أن الوثيقة التي رفعت عنها السرية، يمكن اعتبارها “مخططا للحرب الباردة 2.0″، حيث لا يمكن تجنب المواجهة بين الدولتين في مجال التجارة الدولية والوصول للموارد الطبيعية، إلى الصراع على مستقبل التكنولوجيا، وصولا للتنافس الجيوستراتيجي خاصة في جنوب شرق آسيا.
المصدر: الجزيرة