الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا حائرة ومحيّرة في تحديات الكبار والصغار

أوروبا حائرة ومحيّرة في تحديات الكبار والصغار

بقلم: رفيق خوري – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- أوروبا خرجت من كابوس الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى حلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. لكن الواقع يتركها حائرة ومحيّرة، بعدما تغيرت الدنيا فيها ومن حولها. فالقرن التاسع عشر كان “قرناً أوروبياً” بامتياز: امبراطوريات تحتل وتحكم آسيا وأفريقيا وأستراليا. القرن العشرون كان “قرناً أميركياً”: إنهاء الامبراطوريات الأوروبية، والانتصار على الفاشية والنازية والعسكريتاريا اليابانية والشيوعية. والقرن الحادي والعشرون عودة إلى شيء من القرن التاسع عشر وشيء من القرن العشرين، نوع من التعدد الدولي، ونوع من الطموح الإقليمي. أيام الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة كانت أوروبا تعيش تحت المظلة الأميركية هاجساً واحداً يتمثل في موسكو ودول أوروبا الشرقية ضمن المعسكر الاشتراكي وقوة الأحزاب الشيوعية وخصوصاً في فرنسا وإيطاليا. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي جاء فلاديمير بوتين يعمل على “تفكيك” الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي ويدعم الشعبوية اليمينية. وعلى الخط الآخر، عمل ترمب للتحريض على خروج بريطانيا ودول أخرى من الاتحاد الأوروبي، وأدار الظهر لالتزامات أميركا ضمن “الناتو”، ثم طالب أوروبا بالدفع وبأن تنفق 2 في المئة من دخلها القومي على الدفاع. ثم جاء التحدي التركي شرق المتوسط وفي ليبيا، والابتزاز الذي مارسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال اللعب بإرسال اللاجئين السوريين. وتطور التحدي الإيراني الصاروخي وغير الصاروخي إلى حد كبير. فما العمل؟

الرئيس بايدن يريد من أوروبا التزامات أوسع من مسألة موازنات الدفاع: تطوير الدور الأوروبي خارج منطقة “الناتو” الأساسية، أي في أفغانستان والشرق الأوسط. مواجهة التوسع التركي والإيراني، والوقوف أمام روسيا التي تتوسع عسكرياً في البحر الأبيض المتوسط. والآراء متعددة في أوروبا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكرر دعوته إلى “الاستقلال الاستراتيجي”، بمعنى بناء قوة أوروبية قادرة على الدفاع عن القارة من دون الولايات المتحدة الأميركية. والمعادلة هي: “عمل أوروبي منفرد عندما يكون ضرورياً، وعمل مع أميركا عندما يكون ممكناً”. دور أوروبي خاص مع تكبير الدور الأطلسي. المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تعارض، ولا ترى بديلاً من الاعتماد على أميركا ضمن الناتو. كذلك الأمر بالنسبة إلى قادة في دول أخرى. لكن التحديات أوسع. أردوغان يصف إرسال قواته إلى العراق وسوريا وليبيا بأنه “تصحيح شيء” في “معاهدة سيفر” التي جردت تركيا من فتوحات السلطنة. وتوماس كابلان وبرنار هنري ليفي يريان في مقال مشترك أن تركيا انتقلت من “رجل أوروبا المريض” قبل قرنين إلى “سبب أمراض أوروبا” اليوم. والتحدي الإيراني أكبر. وأقل ما يقوله الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان هو “أن زيادة 2 في المئة على موازنات الدفاع الأوروبية لا تفيد، لأن أوروبا لا تستطيع الدفاع عن نفسها”. والمفيد، في رأيه، هو “استخدام القدرات العسكرية المتوافرة بشكل أفضل”. أما المؤرخ بول جونسون، فإنه يذكّر بـ”جذور التوتاليتارية في أوروبا التي تخلت عن تاريخها المولود من تزاوج وثقافة إغريقية – رومانية ومسيحية”.

ولا حدود لمناورات أردوغان. خلال ولاية ترمب كان الرئيس التركي مطمئناً إلى العلاقات الشخصية معه، إذ ذهب إلى التفاهم مع بوتين واشترى أسلحة روسية لعضو في الحلف الأطلسي على الرغم من اعتراض الحلف. مجيء بايدن دفع أردوغان المنخرط في حفلات السجال مع الأوروبيين إلى فتح ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإعلان الاستعداد لتعديل 200 قانون من أجل أن تنسجم مع معايير الاتحاد. أما إيران، فإنها تلعبها حارة وباردة، وخصوصاً مع الفرنسيين والبريطانيين والألمان الشركاء في الاتفاق النووي. المرشد الأعلى علي خامنئي يقول إن “أوروبا ضعيفة ولا يمكن الثقة بها”. والرئيس حسن روحاني والوزير محمد جواد ظريف يتحدثان عن الاعتماد على أوروبا للعب دور في “التمرد” على العقوبات الأميركية التي أضعفت الاقتصاد الإيراني.

ولا شيء يبدو سهلاً بالنسبة إلى الكبار، من حيث يتصرف الصغار كأن كل شيء ممكن. فالأزمنة تتغير. إيران “الصاروخية” تهدد أوروبا. تركيا “الأطلسية” تبتز أوروبا. روسيا تلعب بها. الصين بدأت الدخول إلى عواصمها. أميركا تحميها وتطلب منها أن تقوم بأدوار أمنية إقليمية تريح واشنطن. وهي، تكراراً، حائرة ومحيّرة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …