بقلم: د. محمد السعيد إدريس – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – حسم المشرعون الديمقراطيون أمرهم، بإعطاء أولوية كبرى لإجراء محاكمة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
فقد تسلم مجلس الشيوخ الأمريكي، مساء الاثنين الفائت، التشريع الخاص بعزل الرئيس السابق، في إطار قضية اتهامه بالتحريض على التمرد. ومن المتوقع أن يباشر مجلس الشيوخ المحاكمة خلال الأسبوع الذي سيبدأ يوم 8 فبراير / شباط المقبل، حسبما سبق أن أعلن تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ.
هذا يعني أن التصويت الذي أجراه مجلس النواب يوم 13 يناير / كانون الثاني الجاري لصالح إقرار تشريع مساءلة ترامب، دخل مرحلة التنفيذ، وأن المحاكمة ستتحول إلى واقع، وهذا بدوره يفجر الكثير من الأسئلة الصعبة والحرجة للديمقراطيين ولشخص الرئيس جو بايدن نفسه.
أول هذه الأسئلة يتعلق بضمانات تصويت أعضاء مجلس الشيوخ المئة الذين سيقومون بدور المحلفين في هذه المحاكمة التي ستقوم فيها لجنة من أعضاء مجلس النواب بدور الادعاء لصالح إدانة ترامب. فالإدانة تتطلب موافقة ثلثي مجلس الشيوخ، أي 67 عضواً، وهذا يعني أن الديمقراطيين الذين لهم 50 صوتاً في المجلس سيكونون بحاجة إلى تصويت 17 عضواً جمهورياً لصالح الإدانة. وهذا العدد غير مضمون، في ظل وجود رفض جمهوري واسع للمحاكمة، التي يرونها تعريضاً بالحزب الجمهوري، وليس فقط بالرئيس السابق. فالجمهوريون يواجهون تحدياً صعباً للتصويت ب “نعم” لصالح الإدانة، رغم اعتراف الكثيرين بأن ترامب مدان فعلياً لتحريضه على الإرهاب، فهم يضعون في اعتبارهم المستقبل الانتخابي للحزب، إذا توحدوا مع الديمقراطيين في الإدانة، لذلك تحدث بعضهم أنه “على الديمقراطيين خوض معركة إدانة ترامب بأنفسهم” وقدم بعضهم حججاً سياسية وأخرى دستورية ترفض المحاكمة، وتشكك في قدرة الديمقراطيين على كسبها، مثل السيناتور ماركو روبيو، العضو البارز في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الذي وصف المحاكمة بأنها “غبية.. وستأتي بنتائج عكسية”، وزاد على ذلك بالتحذير من المردود الأمني السيئ للمحاكمة قائلاً: “لدينا نيران مشتعلة في البلاد، والأمر أشبه بصب الزيت على النار”. وتحدث جمهوريون آخرون إلى عدم دستورية المحاكمة، والقول إن مجلس الشيوخ لا يملك صلاحية محاكمة مواطن عادي.
ثاني هذه الأسئلة يتعلق بالمردود الأمني السلبي المتوقع الذي ألمح إليه السيناتور ماركو روبيو، حيث أعلن مسؤولون في البنتاجون أن الآلاف من جنود الحرس الوطني الذين تم نشرهم في واشنطن لحماية حفل تنصيب بايدن سيبقون في مواقعهم حتى منتصف شهر مارس / آذار المقبل بسبب تهديدات مستمرة، أبرزها احتمال حدوث مزيد من أعمال العنف، وخاصة قبل بدء محاكمة ترامب وأثناءها، وأعقابها إذا نجح الديمقراطيون في الحصول على حكم بإدانته.
كيف سيواجه الديمقراطيون تداعيات حدوث مثل تلك الأحداث، وماذا سيكون تأثيرها في أولوية الرئيس بايدن لتحقيق التوحد الوطني. بايدن سبق أن اعترف في خطاب تنصيبه بخطر تجدد تلك الأحداث، وقال: “يجب أن ننهى هذه الحرب غير الحضارية التي تضع اللون الأحمر (الحزب الجمهوري) في مواجهة اللون الأزرق (الحزب الديمقراطي)، والريفي مقابل الحضري، والمحافظ مقابل الليبرالي”.
السؤال الثالث ربما يكون الأهم، وهو مردود هذه المحاكمة سواء في حال نجاحها أو فشلها على العلاقة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وعلى تعهد الرئيس بايدن القيام بأكبر إصلاح سياسي واقتصادي تشهده الولايات المتحدة منذ إصلاحات “نيو ديل” التي قام بها الرئيس روزفلت. فإذا نجح الجمهوريون في إفشال المحاكمة، فإن هذا الفشل لن يقتصر على الديمقراطيين داخل الكونجرس، بل سيمتد إلى الرئيس بايدن الذي نجح خلال الأسبوع الأول من ولايته في رفع سقف الطموحات عالياً، بما وقعه من أوامر تنفيذية، إضافة إلى التشريعات التي ستبدأ في شق طريقها من خلال غرفتي الكونجرس في ظل أغلبية ديمقراطية محدودة لا تؤمّن تمرير أي من هذه التشريعات.
أول معالم الفشل الذي سيصيب الرئيس بايدن من محاكمة ترامب، قبل أن تبدأ، إقدام عضوة الكونجرس الجمهورية مارجوري تيلو جرين على رفع طلب لسحب الثقة من الرئيس بايدن في اليوم التالي لتنصيبه، زاعمة وجود قضايا فساد ضده وعائلته في أوكرانيا وروسيا والصين، وهي المزاعم التي كان قد تم دحضها بمجلس الشيوخ العام الماضي في التحقيق الذي أجراه الجمهوريون.
أما إذا فشل الجمهوريون في إعاقة المحاكمة ونجح الديمقراطيون في إدانة ترامب، فربما يؤدي ذلك إلى قطيعة، ليس فقط بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونجرس، بل وبين الجمهوريين والرئيس بايدن، ما يمكن أن يؤدى إلى إفشال مشروعه الرئاسي الإصلاحي الطموح.
وفي الحالتين سيكون جو بايدن هو الخاسر، سواء أدين ترامب أم لم يدن، لأن المحاكمة ستعرقل أولويات بايدن، وفي مقدمتها إقناع الكونجرس بالمصادقة على خطة بقيمة 1,9 تريليون دولار لمكافحة فيروس كورونا، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً للساعة، والمصادقة على المرشحين لشغل مناصب وزارية.
بايدن أضحى يدرك أن مشكلته قد تكون مع حلفائه الديمقراطيين، ولعل هذا ما دفعه إلى التسرع بالتشكيك في جدوى محاكمة ترامب، وبالتحديد التشكيك في عجز الديمقراطيين عن تأمين موافقة 17 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ لدعم مشروعهم لإدانة ترامب.