الشرق اليوم- إدراج الإسلام في المشهد الجمهوري الفرنسي ضرورة ملحة، وصداع صعب العلاج في نفس الوقت. وهو ضرورة لضمان الممارسة الحرة للديانة الثانية في فرنسا ومحاربة انتهاكات الإسلاميين، وصداع صعب العلاج؛ لأن الأئمة لا يتبعون التسلسل الهرمي، خاصة أن قناعات الإسلام متعددة، والبلدان الأصلية للمهاجرين ما زالت ترغب في ممارسة نفوذها.
وفي حين أن جميع الحكومات سعت، على مدى ثلاثين عاماً، إلى الترويج لظهور “الإسلام الفرنسي”، لا سيما من خلال تقنين احترام المبادئ الجمهورية، بما في ذلك العلمانية، من قبل ممثلي الديانة الإسلامية، والاتفاق على “ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي”، الذي تم توقيعه يوم الأحد 17 يناير/ كانون الثاني الحالي، بين الاتحادات التسعة المكونة للمجلس الفرنسي للدين الإسلامي (CFCM)، والذي شكل تقدماً لا يمكن إنكاره.
ويحمل النص علامة “الضغط الهائل” الذي وعد إيمانويل ماكرون بممارسته على المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، في خطابه الذي ألقاه بمنطقة ليه مورو التي تقع في إقليم الإيفلين التابع لمنطقة “إيل دو فرانس”، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020؛ حيث أعلن عن مشروع قانون “تعزيز مبادئ الجمهورية”، الذي بدأ أعضاؤه مؤخراً مناقشته في لجنة.
وكان ماكرون قد أمهل ممثلي الدين الإسلامي في فرنسا ستة أشهر؛ لتنظيم عملية تدريب واعتماد أئمة مستقلين عن النفوذ السياسي الأجنبي، ويتبعون قوانين الجمهورية الفرنسية. ويجب أن يستخدم “ميثاق المبادئ” كمرجع للمجلس الوطني الجديد للأئمة، المسؤول تحديداً عن تصنيف وزراء الدين.
ويعكس هذا الميثاق أيضاً المشاعر التي أثارها اغتيال صموئيل باتي، والهجوم على كنيسة نوتردام في نيس، بما في ذلك المنظمات الإسلامية. واستناداً إلى اقتباسات من القرآن، فإن الأمر يشبه إعلان الولاء للمبادئ الجمهورية – المساواة بين الرجل والمرأة، وحرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد – المعترف بها على أنها تجاوز أي معتقد ديني، ويكملها الالتزام ب “عدم استخدام الإسلام (…) لتنفيذ أجندة سياسية تمليها قوة أجنبية”.
والأكثر إثارة للدهشة أن النص يدين “الإدانات المسبقة لعنصرية الدولة المزعومة المتعلقة بجميع المواقف الخاصة بالضحية”. وحتى بعد هجمات 2015، فشلت الحكومة الحالية في تأمين مثل هذا الالتزام الجماعي.
النص، وبنبرة فرنسية رسمية جداً من حيث بصمة الدولة فيه وطابعه الخطابي، سيكون له بلا شك أهمية تاريخية، إذا لم يكن يعاني من عيب تأسيسي؛ فالمجلس الفرنسي للدين الإسلامي لا يمثل فقط أقلية مكونة من 2500 مسجد فرنسي، لكنه يجمع منظمات خاضعة مباشرة لسيطرة دول مثل – الجزائر والمغرب وتركيا – والتي من المفترض أن يقطع الصلة معها. وهناك خطر في أن يتم رفض الأئمة “الرسميين” الملقبين “بالجمهوريين” من قبل أصغر وأشد احتجاج من جمهور المساجد.
ومع ذلك، يجب أن نأمل أنه، بخلاف منطق الكنائس والتأثيرات، ستثير هذه المبادئ الرسمية للإسلام في فرنسا نقاشاً، وحتى عضويات جديدة. وفي النهاية يمكن القول، إن الأديان الأخرى الممثلة في فرنسا، تفاوضت كل على طريقتها الخاصة، ووفقاً لتاريخ مأساوي غالباً، مع الدولة بشأن شروط وضعها والاعتراف بالنظام الجمهوري.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه بعض الشك في جزء من الرأي العام حول ولاء المسلمين للجمهورية، يلعب المعنيون دوراً مركزياً في حل هذا الغموض.
ترجمة: صحيفة الخليج