الشرق اليوم – عند اغتيال سليماني في 3 يناير من السنة الماضية عبر ضربة جوية بطائرة بلا طيار في مطار بغداد، توقّع عدد كبير من المحللين أن تطلق تلك العملية حرباً كبرى في الشرق الأوسط حين تحاول طهران الانتقام لمقتله، لكن سرعان ما تلاشت هذه التوقعات.
نشر حساب على “تويتر” يُفترض أن يكون مرتبطاً بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، ما يشبه التهديد بالقتل ضد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فتم حظر الحساب سريعاً، لكن تدعو تلك التغريدة اللاذعة إلى “الانتقام” من شخص يلعب الغولف ويشبه ترامب بسبب قراره اغتيال قاسم سليماني، القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني، في يناير الماضي، لكنّ الواقع مختلف.
سرعان ما تبيّن أن هذه القصة التي نقلتها قناة “بي بي سي” ووكالة “فرانس برس” في 22 يناير ترتكز على حساب مزيف يشبه حساب خامنئي، إذ يقتصر الفرق بينهما على بضعة أحرف.
عند اغتيال سليماني في 3 يناير من السنة الماضية عبر ضربة جوية بطائرة بلا طيار في مطار بغداد، توقّع عدد كبير من المحللين أن تطلق تلك العملية حرباً كبرى في الشرق الأوسط حين تحاول طهران الانتقام لمقتله، لكن سرعان ما تلاشت هذه التوقعات.
يبقى النظام الديني في إيران براغماتياً جداً رغم خطابه المدوّي من وقتٍ لآخر، فقد قيّمت إيران، التي تواجه شللاً اقتصادياً حاداً بسبب العقوبات، الوضع بطريقة منطقية واستنتجت أن خوض الحرب ضد الولايات المتحدة لن يخدم مصالحها؛ لذا مرّت الحادثة مرور الكرام واكتفت طهران بشن ضربة انتقامية عابرة ضد قاعدة عسكرية أميركية في العراق بعد مقتل سليماني بخمسة أيام.
لكن يبقى تصرف النظام الإيراني بهذه الطريقة المنطقية مقابل الاستفزازات الكبرى لغزاً يحيّر الكثيرين، لذا يسهل تصديق أي تغريدة مزعومة تُهدد ترامب بالقتل لأن خامنئي “الحقيقي” تعهد بالانتقام بقسوة لمقتل سليماني وكانت مواقف إيران في الأيام الأخيرة من عهد ترامب عدائية أيضاً، كذلك، سادت شكوك واسعة سابقاً حول تخطيط طهران لتنفيذ عمليات اغتيال جريئة على الأراضي الأميركية: قبل عشر سنوات، في أكتوبر 2011، ادّعت الحكومة الأميركية أنها أحبطت محاولة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، وقيل إن تلك الخطة كانت تقضي بالاستعانة بقتلة مكسيكيين مع أنه احتمال مستبعد.
بالعودة إلى التغريدة الشائكة، لا مفر من التساؤل عن كيفية وصول هذا الحساب المزيف إلى صفحات أهم الصحف، إذاً يتعلق جزء من المشكلة بعدم توثيق الحساب الحقيقي المرتبط بخامنئي على “تويتر”، ولا يمكن ربط آية الله بالحساب من دون وساطة، ويزداد الوضع تعقيداً لأن حساب خامنئي “الحقيقي” حساب إيطالي فرعي، وهو غير موثّق أيضاً، فليس مستبعداً إذاً أن يفتح خامنئي حساباً آخر.
تكمن المشكلة الفعلية في هذه النقطة بالذات، إذ يحصل الناشطون في حملات التضليل على الفرص التي ينتظرونها بهذه الطريقة: يمكن تحويل المعلومات المحتملة إلى وقائع مؤكدة سريعاً، بقدر ما تسمح به الظروف، بحيث يزداد الوضع سوءاً على مستوى حملات التضليل الشائعة على مواقع التواصل الاجتماعي نظراً إلى صعوبة التأكد من صحة أي تغريدة فردية أو منشور أو حتى مقالة إخبارية على الإنترنت، أو اعتبارها جزءاً من حملة خبيثة ومفتعلة يطلقها لاعب سياسي أو مستخدم يشعر بالملل بكل بساطة. (تكون حملات التضليل التقليدية التي لا تتكل على سهولة نشر المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر صعوبة بكثير وتحتاج إلى موارد واسعة).
على مستويات عدة، تكون المشاكل التي تحيط بمواقع التواصل الاجتماعي ويظن التكنوقراط السياسيون أنهم قادرون على معالجتها عبر فرض القوانين أعمق مما يظن الكثيرون، فهي تشمل جوانب نفسية ومعرفية وسياسية متداخلة، ولفهم هذه الجوانب كلها، يمكن البدء بقراءة روايات أومبيرتو إيكو، فهو واحد من أعظم علماء العلامات في العالم وخبير في الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال.