الرئيسية / مقالات رأي / هل تنكفئ أمريكا على نفسها في ظل إدارة بايدن

هل تنكفئ أمريكا على نفسها في ظل إدارة بايدن

بقلم: علي أبو حبلة – صحيفة “الدستور” الأردنية 

الشرق اليوم – لم يكن يدرك الكاتب والمؤرّخ الأميركي، جيمس تراسلو أدامز، عندما تحدّث عن الحلم الأميركي في كتابه “الملحمة الأميركية”، عام 1931، بأنّ ما يتحدّث عنه هو ضربٌ من ضروب الخيال الذي سيتبدّد. فالحلم بالأرض التي يجب أن تكون فيها الحياة أفضل وأكثر ثراء لكلّ الناس، تحوّل إلى ما يشبه الكابوس بالنسبة إلى الذين سعوا يوماً للانضمام إلى الأمة الأميركية.

الولايات المتحدة التي كانت، منذ مطلع القرن التاسع عشر، تعتبر نفسها منارة الحرية والازدهار، لم تعد قادرة، في القرن العشرين، على إخفاء الأزمات الكامنة التي تتربّص بعقدها الاجتماعي وبكيانها السياسي. فهي، منذ التسعينيات، تواجه تحدّياً حقيقياً تمثّل في حركات المقاومة في الشرق الأوسط، الذي تحوّل عام 2000 إلى تهديدٍ وجودي لحليفتها الأبرز إسرائيل، بعد اضطرارها إلى الانسحاب من لبنان. حينها، تحوّل الجيش الذي لا يُقهر، إلى جيش من الممكن هزيمته ودحره من الأرض المقدّسة. وقد حُفرت هذه الأحداث عميقاً في وعي العرب والمسلمين، فشكّلت دافعاً لهم لمهاجمة العدو الأميركي والإسرائيلي، وكانت بعدها أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001، التي استهدفت أميركا في عمق دارها.

وبحسب دراسة للباحثة نيتا سي كراوفورد، في معهد “واتسن” التابع لـ”جامعة براون”، فإنّ الكلفة الإجمالية للحروب الأميركية في الشرق الأوسط، بلغت 6.4 تريليون دولار منذ عام 2001 حتى عام 2020. وتشير كراوفورد إلى أنّ هذه الحروب ترتّبت عليها نفقات كبيرة، أوصلت بطريقة ما إلى العجز، في حين أنّ العبء الإجمالي للميزانية لحروب ما بعد 11 أيلول / سبتمبر سوف يستمر في الارتفاع.

علاوة على ذلك، من المرجّح أن تظلّ الزيادات في الميزانية الأساسية للبنتاغون المرتبطة بالحروب، ما يؤدي إلى تضخيم الميزانية العسكرية على المدى الطويل، وهذا يعني زيادة الأعباء والضرائب على كاهل المواطن الأميركي التي بلغت، خلال السنة المالية 2018، 7.623 دولاراً لكلّ دافع ضرائب. هكذا، لم تكن البنية المالية في الولايات المتحدة بمنأى عن الانهيارات، فسياسة الحروب التي اعتُمدت بعد 11 أيلول / سبتمبر، كانت من تبعاتها – بحسب جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي – أزمة عام 2008 التي انفجرت في أميركا ثمّ امتدت إلى دول العالم، لتشمل الدول الأوروبية والآسيوية والخليجية، فضلاً عن الدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأميركي.

عام 2016، طفت مشاكل أميركا إلى السطح، مع وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة، وشكَّل وصوله إلى هذا المنصب تعبيراً عن ازمة اقتصادية وسياسية واخلاقية صنعتها النيوليبرالية، فهو لم يمارس السلطة، بل امتطاها. أفصح الرجل عن كلّ  عيوب النظام الراسمالي، فكشف العنصرية والكراهية وازدراء الفقراء، وهي ثوابت حرصت المنظومة الأميركية على اخفائها. مثّل ترامب لحظة انهيار القيَم الاخلاقية في مجتمع سياسي أميركي غطّى جرائمه بحجاب قيَم حقوق الإنسان والديموقراطية. قضى أربع سنوات في البيت الأبيض، تحطّمت خلالها مفاهيم الديمقراطية التي قام على أساسها الحلم الأميركي، ورخاء العيش والأمان الموعود لكلّ من ينتسب إلى الأمة الأميركية. برزت في عهده العنصرية بأبشع أشكالها في أكثر من مناسبة، وانفجر “الغضب الأسود” عندما قتلت الشرطة المواطن جورج فلويد، في حدثٍ أعاد إلى أذهان الأقليات في أميركا عصور العبودية وحركات الانتقام التي شنّها أصحاب العرق السامي (الأبيض) بحقّهم، وخصوصاً بحقّ السود.

مع تحريض ترامب على مقاومة الديموقراطية، وسير قاعدته الجمهورية على لحنه، كما يتّضح من اقتحام مبنى “الكابيتول”، يُتوقع أن تكون السنوات الأربع المقبلة حقبة من الصراع السياسي غير المقيّد. ومع تزايد عجز السياسيين المدنيين عن كسر الجمود السياسي، فقد نشهد حضوراً أكبر للقيادة العسكرية على حساب السلطات المدنية.

وبناء على ما تقدّم، يمكن القول إنّ الإمبراطورية الأميركية التي تواجه مستويات مختلفة من التحدّيات، إن على الساحة الدولية عبر صعود لا يقاوَم للصين وعودة لروسيا وبروز قوى دولية صاعدة مثل الهند والبرازيل وقوى إقليمية مشاكِسة مثل تركيا وإيران، أو على مستوى تفجُّر تناقضاتها الداخلية العرقية والاقتصادية والاجتماعية، كلّ ذلك يجعلها تترنّح، لا بل تهتز وتسلك طريق الانحدار. وليس طيّ صفحة ترامب نهاية المشهد، بل هو يؤذن بحقبة انتقالية من عصر الامبرطورية إلى الانكفاء والانشغال بأوضاعِها الداخلية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …