بقلم: كريستوفر ماير – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- إن ما يتوقع من الرئيس جو بايدن أن يفعله هائل، والمهمات التي ينتظر منه أن ينجزها ستكون مخيفة بالنسبة لشخص له نصف عمره [أصغر سناً]. ولعل البعض سيقول إنها ببساطة أهداف غير واقعية بالنسبة لرجل في الثامنة والسبعين من العمر، ويعتبر الأكبر سناً بين جميع رؤساء أمريكا المنصبين في تاريخ البلاد.
ومن المتوقع منه في فترة قصيرة أن يطوي صفحة الانقسامات المتفشية في البلاد، وأن يضع “كوفيد-19” تحت السيطرة، ويرمم الاقتصاد، ويستعيد دور أمريكا الريادي العالمي، أي ينتظر منه باختصار أن يصلح ما أفسدته أربع سنوات عاشتها البلاد في ظل دونالد ترامب.
وتلك هي المشكلة الأولى، فقد أوضح ترامب أنه لا يعتزم أن يغيب عن الساحة والاعتكاف نهائياً. وسواء استطاع أن يرشح نفسه مجدداً في انتخابات 2024، أم لم يمكنه ذلك، سيبقى الرئيس السابق أقوى الجمهورين جميعاً، وأكثرهم نفوذاً، وهو سياسي من الوزن الثقيل، أو قل أشبه بغوريلا سياسية وزنها 800 رطل. وسيظل بمثابة تهديد دائم لولاية الرئيس بايدن ومصدر إزعاج قد يشغلها عما تريد أن تفعله. وهذا المرجح. فقد نال أصوات 74 مليون ناخب أمريكي، ما يجعله صاحب أعلى نسبة أصوات كانت من نصيب مرشح جمهوري على الإطلاق. وتفيد استطلاعات الرأي بأن نصف هؤلاء الذين صوتوا له، في الأقل، لا يحملونه مسؤولية اندلاع أعمال الشغب التي شهدها مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني).
وبالطبع، قد تنتهي محاكمته في مجلس الشيوخ إلى إدانته بالتحريض على أعمال الشغب، وبالتالي منعه من الترشح لتولي منصب عام في المستقبل، لكن ذلك سيزيد من جاذبيته في أوساط معظم أنصاره، أو ربما كلهم، ممن سيحيطونه بهالة العظمة كما لو كان شهيداً.
بعبارات أخرى، سيجعل ذلك مهمة بايدن في ردم هوة الانقسام والشقاق بين الأمريكيين، بالغة الصعوبة. وإن محاكمة مجلس الشيوخ، وأي تحقيق قانوني آخر قد يطال ترامب، سيؤكدان مدى عمق هذه الانقسامات، كما سيحولان أنظار مجلس الشيوخ عن مهمته الرئيسة المتمثلة في وضع اللبنات الأساسية لإدارة جديدة، مثل الموافقة على تعيينات حكومة بايدن.
وحين النظر إلى هذه المهمات مجتمعةً مداواة أمريكا، والتصدي للجائحة، وإعادة تنشيط الاقتصاد المنهك، يدرك المرء لماذا على بايدن في السنة الأولى من ولايته الرئاسية، على الأقل، أن ينشغل بالشؤون المحلية أكثر من أي شيء آخر. ولن يكون لديه متسع كبير من الوقت كي يفكر في المسائل الخارجية في هذه المدة.
وبعد كل هذا، نحن نعرف سلفاً التوجه العام لسياسة بايدن الخارجية، وهو استعادة الروابط مع الأصدقاء والحلفاء، والعودة إلى ممارسة الدبلوماسية المتعددة الأقطاب، وتعزيز العلاقات مع المؤسسات الدولية التي ازدراها ترمب، مثل اتفاقية باريس، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، والوقوف باسم الديمقراطية في وجه الصين وروسيا وغيرهما من الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة. ونحن نعرف جيداً الفريق الذي سيتكفل بتنفيذ هذه السياسة الخارجية المليئة بالتحديات. فثمة صداقة قديمة تربط كلاً من توني بلينكين، وهو وزير الخارجية الجديد، وجاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الجديد، مع السفارة البريطانية في واشنطن.
وهذه أجندة يمكننا في بريطانيا أن نعمل بتوافق معها لأنها تعكس أولوياتنا نحن أيضاً. بالطبع، ثمة عثرات ومطبات على طريق التعاون. والإدارة الجديدة ليست معجبة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن طالما أن هذا الخروج لن يلحق الضرر باتفاقية الجمعة العظيمة (للسلام في إيرلندا الشمالية) المبرمة في 1998، وهو أمر لن يحدث من جانب المملكة المتحدة بالتأكيد، فإن الدبلوماسية الأميركية، التي تعتبر البراغماتية من سماتها الأساسية، ستعتاد قريباً على انسحابنا من الاتحاد الأوروبي.
ثمة وجهة نظر يتبناها بعض أطراف مؤسسة الحزب الديمقراطي بأن بوريس جونسون هو “ترمب صغير”، وهذا يمثل حفرة أخرى على الطريق يجب أن تردم. وعلى الرغم من كل الأشياء اللطيفة التي قالها جونسون وترامب عن بعضهما بعضاً، فعندما بدأ الجد، بالنسبة للتغير المناخي، والاتفاق النووي الإيراني ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة الدولية، أعرب رئيس الوزراء البريطاني بوضوح عن خلافنا الجوهري مع سياسات ترامب. وعلى الرغم من كل الدعم اللفظي الذي قدمناه لترامب، فقد ثبت أن من المستحيل التوصل إلى اتفاق تجاري بين البلدين خلال رئاسته.
وبالعودة إلى عام 2000، حين كانت الرئاسة على وشك أن تنتقل من بيل كلينتون إلى جورج بوش، سألت أحد كبار المستشارين في البيت الأبيض ما إذا كانت صداقة توني بلير مع كلينتون ستمثل مشكلة للرئيس الجديد. فأجاب المستشار القادم من ولاية تكساس، مستشهداً بالجواب التوراتي “أنت ستعرف من خلال أعمالك”.
سيزور الرئيس بايدن بريطانيا في يونيو (حزيران) المقبل لحضور قمة الـ”جي 7″، ثم سيأتي مرة أخرى في نوفمبر (تشرين الثاني) للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ المقرر عقده في غلاسغو. وهو سيرى بأم عينيه أن “أعمالنا” تشكل الأساس لتحالف وثيق يعود بالفائدة على الطرفين.