الشرق اليوم – إن المتطرفين على الضفة الأخرى من الأطلسي “ابتهجوا” بالمشهد الصادم (اقتحام الكونغرس الأمريكي)، في مؤشر خطير على الآثار المدمرة لما يحدث في الولايات المتحدة على الديمقراطية حول العالم.
وكان يورغن إلساسر، محرر أبرز مجلة يمينية متطرفة في ألمانيا، يشاهد الأحداث مباشرة من على أريكته، قائلا: “كنا نتابعها مثل مباراة كرة قدم”.
وقبل أربعة أشهر، حضر إلساسر مسيرة في برلين، شهدت محاولة فاشلة لمجموعة من المتظاهرين المتطرفين التوجه إلى المبنى الذي يضم البرلمان الألماني، في حادث مشابه لما وقع بعد ذلك في واشنطن.
ويقول إلساسر: “حقيقة أنهم وصلوا بالفعل إلى الداخل بعثت الآمال في وجود خطة.. كان من الواضح أن هذا شيء أكبر”.
ويشترك أتباع حركات اليمين المتطرف العنصرية في جميع أنحاء العالم في أكثر من قضية، وكان متطرفون ألمان قد سافروا إلى أمريكا للمشاركة في مسابقات القناصة، فيما قام نازيون جدد أمريكيون بزيارة نظرائهم في أوروبا.
كما أن مسلحين من دول مختلفة ينضمون إلى معسكرات تدريب من روسيا وأوكرانيا إلى جنوب أفريقيا. ولسنوات عديدة، كان المتطرفون اليمينيون يتبادلون الأيديولوجيا والأفكار على هوامش المجتمعات وفي أعمق عوالم الإنترنت. والآن، كشفت أحداث 6 كانون ثاني / يناير في مبنى الكابيتول الأمريكي عن إمكاناتهم العنيفة.
وفي أحاديثهم على شبكاتهم على الإنترنت، تبرأ الكثيرون من اقتحام مبنى الكابيتول ووصفوه بأنه عمل أخرق، وردد البعض روايات أطلقتها القنوات التابعة لـ”كيو أنون” في أمريكا تدعي بأن أعمال الشغب نظمت من قبل اليسار لتبرير قمع مؤيدي الرئيس، دونالد ترامب. لكن كثيرين غيرهم رأوا أنها “لحظة تعليمية” حول كيفية المضي قدما والسعي إلى تحقيق هدفهم المتمثل في قلب الحكومات الديمقراطية بطرق أكثر تضافرا وصلابة.
إن ذلك يعد تهديدا يأخذه مسؤولو المخابرات، وخاصة في ألمانيا، على محمل الجد، لدرجة أنه فور وقوع أعمال العنف في أمريكا، شددت السلطات الألمانية الإجراءات الأمنية حول مبنى البرلمان في برلين.
وفي واشنطن، وبعد تنصيبه رسميا، أمر الرئيس الجديد جو بايدن، بإجراء تقييم شامل للتهديد الذي يمثله التطرف العنيف المحلي في أمريكا.
وقال مسؤولون إنه لم يتم الكشف عن أي خطط ملموسة لهجمات في ألمانيا في الوقت الحالي، لكن البعض يشعر بالقلق من أن تداعيات أحداث 6 كانون الثاني / يناير يمكن أن تزيد تطرف اليمينيين المتطرفين في أوروبا.
وقال ستيفان كرامر، رئيس الاستخبارات المحلية في ولاية تورينجيا بشرق ألمانيا: “يعيش المتطرفون من أقصى اليمين والمتشككون في كورونا والنازيون الجدد حالة اضطراب”. وأضاف: أن هناك مزيجا خطيرا من الابتهاج بالذي قام به المشاغبون بقدر ما فعلوا والإحباط لأنه لم يؤد إلى حرب أهلية أو انقلاب.
من الصعب تحديد مدى عمق واستمرارية الروابط بين اليمين المتطرف الأمريكي ونظرائه الأوروبيين، لكن المسؤولين قلقون بشكل متزايد بشأن شبكة من الروابط الدولية المنتشرة ويخشون من أن الشبكات، التي تشجعت بالفعل في عهد ترامب، أصبحت أكثر تصميما منذ 6 كانون الثاني / يناير.
ويصف تقرير صدر مؤخرا بتكليف من وزارة الخارجية الألمانية “حركة متطرفة عنيفة جديدة تؤمن بعقلية نهاية العالم لا قيادة لها وعابرة للحدود” برزت خلال العقد الماضي، وخلص التقرير إلى أن المتطرفين تحركهم نفس نظريات المؤامرة وروايات “الإبادة الجماعية للبيض” و”الاستبدال العظيم” للمهاجرين بالسكان الأوروبيين.
وأضاف كرامر، المسؤول في المخابرات الألمانية: “مشاهد النازيين الجدد مرتبطة بشكل جيد.. نحن لا نتحدث فقط عن الإعجابات على فيسبوك. نحن نتحدث عن سفر النازيين الجدد، ومقابلة بعضهم البعض، والاحتفال معا”.
وتسببت معسكرات التدريب في إثارة قلق بين مسؤولي الاستخبارات وإنفاذ القانون، الذين يخشون أن مثل هذا النشاط يمكن أن يرسي الأساس لعنف أكثر تنظيما وتعمدا”.
واتهم المدعون السويديون في وقت لاحق اثنين من القوميين البيض، الذين شاركوا في معسكر شبه عسكري تديره الحركة الإمبراطورية الروسية المتطرفة خارج سانت بطرسبرغ، بالتخطيط لتفجيرات تستهدف طالبي اللجوء.
والعام الماضي، قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتصنيف الحركة الإمبراطورية الروسية كمنظمة إرهابية، وكانت أول جماعة قومية بيضاء تصنف هكذا.
وفي عام 2019، حذر كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، من أن الأمريكيين العنصريين البيض يسافرون إلى الخارج للتدريب مع مجموعات قومية أجنبية. ووجد تقرير صدر في ذلك العام عن مركز “صوفان”، وهو مؤسسة فكرية غير حزبية في نيويورك، أن ما يصل إلى 17000 أجنبي، كثير منهم من القوميين البيض، سافروا إلى أوكرانيا للقتال على جانبي الصراع الانفصالي هناك. وكان من بينهم عشرات الأمريكيين.
إن البيانات المليئة بالكراهية لأندرس بريفيك، الذي قتل 77 شخصا في النرويج في عام 2011، وديلان روف، وهو أمريكي من أنصار العنصريين البيض، قتل تسعة من السود في ساوث كارولينا بعد أربع سنوات، أثرت على برينتون هاريسون تارانت، الذي بث مباشرة عام 2019 قتله أكثر من 50 مسلما في كرايستشيرش، نيوزيلندا.
وأما بيان تارانت، بعنوان “الاستبدال العظيم”، فقد ألهم بدوره باتريك كروسيوس، الذي قتل 22 شخصا في إل باسو، تكساس، بالإضافة إلى مسلح نرويجي تم التغلب عليه أثناء محاولته إطلاق النار على أشخاص في مسجد في أوسلو.
وفسر العديد من المتطرفين اليمينيين على الفور يوم 6 كانون الثاني / يناير على أنه انتصار رمزي وهزيمة استراتيجية يحتاجون إلى التعلم منها.
ووصف إلساس، محرر مجلة “كومباكت”، والتي تصنفها وكالة المخابرات المحلية الألمانية على أنها متطرفة، اقتحام مبنى الكابيتول بأنه “محاولة شريفة” فشلت بسبب التخطيط غير الكافي. وكتب في اليوم التالي لأحداث الشغب: “اقتحام المتظاهرين للبرلمان كبداية لثورة يمكن أن ينجح.. لكن الثورة لا يمكن أن تكون ناجحة إلا إذا تم تنظيمها”، وأضاف: “عندما يحين الوقت، عندما تريد إسقاط النظام، فأنت بحاجة إلى خطة ونوع من هيئة الأركان العامة”.
ومن بين أولئك الذين شعروا بالتشجيع من التعبئة التي شوهدت في 6 كانون الثاني / يناير، كان مارتن سيلنر، الرئيس النمساوي لحركة جيل الهوية اليمينية المتطرفة في أوروبا، والذي يدعو إلى اللاعنف ولكنه روج لأفكار مثل “الاستبدال العظيم”.
وبعد اقتحام مبنى الكابيتول، كتب سيلنر: “الغضب والضغط والمزاج الثوري في معسكر الوطنيين هي من حيث المبدأ إمكانات إيجابية”.
وأضاف: “على الرغم من أن الهجوم على مبنى الكابيتول تلاشى بلا هدف، ولم يخلف سوى عددا قليلا من الميمات ومقاطع الفيديو.. يمكن للمرء أن يشكل نهجا منظما ومخططا للخروج من هذا المزاج لمقاومة أكثر فعالية”.
وسيلنر، الذي قال في مقابلة إن ترامب سيكون أكثر قوة في المعارضة، يجسد مدى وصول حركة أصبحت عالمية بشكل متزايد من خلال صلاته الوثيقة بالناشطين في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا. وهو متزوج من بريتاني بيتيبون، وهي نجمة أمريكية من اليمين المتطرف على موقع يوتيوب أجرت مقابلات مع متطرفين أوروبيين بارزين مثل القومي البريطاني تومي روبنسون.
والتقى روبنسون بشكل افتراضي مع الزعيم الأمريكي لمجموعة “براود بويز” اليميني المتطرف، إنريكي تاريو، في محادثة استمرت ساعة ونصف في 19 تشرين الثاني / نوفمبر، والتي وصفت بأنها قمة وحدة لمناقشة نتائج الانتخابات الأمريكية.
وتحدث الرجلان عن كفاحهما المشترك، ضد الليبراليين، وحركة “أنتيفا” وشركات التكنولوجيا الكبرى التي منعت الرجلين من استخدام منصاتها. كما تحدثا عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعبارات وجودية، محذرين من أنه إذا فشل اليمين في الحفاظ على الرئاسة للسيد ترامب، فقد يتعرض للإبادة.
وقال روبنسون خلال اللقاء إن الديمقراطيين سوف “يستبدلونكم كما تم استبدالنا.. ستفتح الحدود وسيستبدلونكم بأناس أجانب”.
وكان العديد من أعضاء “براود بويز”، الذين طلب منهم ترامب الشهير “الوقوف جانبا والتأهب”، من بين أولئك الذين اقتحموا مبنى الكابيتول.
وعلى الرغم من أنهم سخروا من ترامب ووصفوه بأنه “فشل ذريع” بعد أن تنصل من اجتياح الكابيتول وغادر البيت الأبيض، فقد أعربوا عن دعمهم للجماعات اليمينية المتطرفة في دول أخرى بما في ذلك فرنسا وبولندا وتركيا.
ومع قيام أمريكا بتصدير نظريات المؤامرة المعروفة بـ”كيو أنون” عبر المحيط الأطلسي، فإن نظريات المؤامرة الأوروبية والمعلومات المضللة تشق طريقها أيضا إلى أمريكا.
وفي غضون أيام من الانتخابات الأمريكية، كان أتباع النظرية الألمان ينشرون معلومات مضللة قالوا إنها تثبت أن التصويت قد تم التلاعب به من مزرعة خوادم كمبيوتر تديرها وكالة المخابرات المركزية في فرانكفورت، على الرغم من أن ملايين الأصوات تم الإدلاء بها عن طريق بطاقات الاقتراع الورقية بالبريد. وتم تضخيم المعلومات المضللة، التي تعقبها الباحث الألماني جوزيف هولنبرغر، إلى حساب باللغة الألمانية، من خلال فرع محلي واحد على الأقل من حزب البديل لألمانيا، وهو الحزب السياسي اليميني المتطرف المعروف بالأحرف الأولى الألمانية AfD وانتهى الأمر أيضا بتسليط الضوء على النائب الأمريكي لوي غومرت، ورودي جولياني، حليف ترامب والعمدة السابق لمدينة نيويورك.
وقال ميرو ديتريتش، الخبير في شبكات اليمين المتطرف المتطرف، إن الروابط العابرة للدول ملهمة وليست تنظيمية. وقال: “إن الأمر لا يتعلق بصياغة خطة ملموسة بقدر ما هو خلق إمكانات عنيفة”.
ومع ذلك، لا يزال الخبراء متشككين في إمكانية إقامة علاقات أكثر ديمومة عبر الأطلسي بين الجماعات اليمينية المتطرفة.
وبحسب أنطون شيخوفتسوف، الخبير في أقصى اليمين الأوروبي بجامعة فيينا، فإن كل هذه المحاولات تقريبا منذ الحرب العالمية الثانية باءت بالفشل.
وفي الآونة الأخيرة، قام ستيفن بانون، مهندس محاولة ترامب الرئاسية الناجحة لعام 2016، بجولة في أوروبا قبل عدة سنوات في محاولة لربط الأحزاب القومية الشعبوية مثل التجمع الوطني الذي تقوده مارين لوبان في فرنسا والبديل من أجل ألمانيا معا.
وقال شيخوفتسوف: “لقد كان إخفاقا تاما. كان بانون يروج لأفكار تفوق البيض القديمة جدا. لم يعد هذا مقبولا في أوروبا. قد تكون من اليمين المتطرف الشعبوي، لكن لا يمكنك التحدث عن القومية البيضاء”.
وحتى إن هناك انقساما بين أتباع اليمين المتطرف حول ما إذا كانت هذه التحالفات ذات قيمة أو قابلة للحياة، فبالنسبة للكثيرين، فإن فكرة الحركة القومية الدولية تنطوي على التناقض.
ترجمة: عربي 21