BY: David Runciman
الشرق اليوم – صحيح أن الكلمات الثلاث التي برزت في خطاب التنصيب القوي للرئيس الأمريكي، جو بايدن، كانت “الديمقراطية” و”الوحدة” و”الحقيقة”، لكن الديمقراطية احتلت مركز الصدارة، حيث قال في أول تصريح له بعد أداء اليمين “هذا هو يوم الديمقراطية” و”الديمقراطية انتصرت”.
ولكن هل سيادة الديمقراطية كافية لكي تسود الوحدة والحقيقة أيضًا؟ ربما كان الآباء المؤسسون للجمهورية الأمريكية، الذين استشهد بايدن بهم مرارًا وتكرارًا، سيفاجأون بسماعه يتحدث عن ضرورة وجود الـ3 معًا، حيث اعتقدوا أنهم كانوا يؤسسون دولة تهدف إلى تطبيق الديمقراطية بشكل دائم.
وصحيح أن المؤسسين كانوا حريصين على الوحدة والحقيقة مثل بايدن، لكنهم اعتقدوا أن الكثير من الديمقراطية سيعرّضهم للخطر، لقد نظروا إلى جمهور الناخبين على أنه من المعروف عنه انقسامه، كما أنهم عُرضة لتصديق كل أنواع الهراء، وكان الهدف من إنشاء جمهورية بدلًا من الديمقراطية هو ضمان وجود ضمانات ضد الشعبوية بجميع أشكالها.
ومن الواضح أن بايدن كان يعني شيئًا مختلفًا بحديثه عن الديمقراطية، فهو يرى الديمقراطية على النحو المحدد في التداول السلمي للسلطة، وهو ما يطلق عليه في الأوساط الأكاديمية اسم نظرية الحد الأدنى للديمقراطية، حيث إن الأمور تتغير عندما يغير الناخبون مواقفهم.
ولكن تكمن مشكلة هذا الرأي في أنه غير منتشر، حيث يتم اعتبار الوحدة والحقيقة بمثابة إضافات اختيارية، وهناك العديد من الأماكن حول العالم التي فشلت فيها الديمقراطية حتى في هذا الاختبار ورفض شاغلو المناصب المهزومون المغادرة، مما أدى إلى ديكتاتورية أو حرب أهلية، ولكن عندما يتم اجتياز الاختبار، فإن معظم الأسئلة حول كيفية القيام بالسياسة بشكل أفضل تظل دون إجابات.
وبعد أسبوعين فقط من محاولة اقتحام مبنى الكابيتول ومنع التصديق على نتيجة الانتخابات الأمريكية، تم تنصيب بايدن في ظل أخطر تهديد لهذا الحد الأدنى من تعريف الديمقراطية في التاريخ الأمريكي الحديث، لقد اقتربت البلاد بشكل خطير من الفشل في الاختبار، وما كان يمكن أن يقوله بايدن أيضًا، لكنه لم يفعل، هو أن المؤسسين يتحملون المسؤولية جزئيًا.
فقد تم إذكاء غضب أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، من قبل المؤسسات المصممة على إبعاد الناس عن أهم قراراتهم، فمن منظور الأغلبية الصارمة، فإن بايدن قد فاز في الانتخابات بفارق وصل لأكثر من 7 ملايين صوت، لكن المجمع الانتخابي جعل الأمر يبدو أقرب بكثير، وسمح للرئيس المهزوم بالبحث عن بضعة آلاف من الأصوات هنا أو هناك حتى يحدث الفارق.
كما أن مقاومة ترامب للواقع الديمقراطي ألقى بآماله على المؤسسات الأخرى، حيث كان يعتقد أن المحكمة العليا، في ظل وجود 3 معينين من قبله فيها، يجب أن تنقذه، كما نظر إلى مجلس الشيوخ، الذي يعطي نفوذًا غير متناسب للولايات الريفية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ليحمي ظهره، وحقيقة أن هذه الآمال كانت في غير محلها، وربما يدينه مجلس الشيوخ في محاكمة عزل، لا تعني أن الديمقراطية قد تمت تبرئتها، فقد كانت المؤسسات التي قمعت المقاومة الشعبية لنتيجة الانتخابات هي نفسها التي أشعلتها.
ويشير هذا إلى أنه لا يكفي أن يرجع بايدن إلى التاريخ الطويل للديمقراطية الأمريكية في عرض حجته لما يجب أن يحدث، فهناك خيار يجب القيام به هنا: تعزيز الديمقراطية، وإصلاح المؤسسات مثل المجمع الانتخابي ومجلس الشيوخ لتعكس الديموغرافيا الحالية بدلاً من تطبيق التاريخ القديم، لكن من المحتمل أن يأتي ذلك على حساب الوحدة، حيث سيقاوم الجمهوريون الأمر بشراسة، ومن المحتمل أن تتأثر الحقيقة أيضًا، فقد تعلمنا أن المقاومة هذه الأيام تميل إلى أن تصبح بمثابة هجوم على الحقائق، وأي محاولة لتغيير الدستور سيتم الطعن فيها ليس فقط على أنها غير وطنية، ولكن ربما باعتبارها مؤامرة أجنبية.
والبديل هو التمسك بالوضع الراهن والأمل أن يكون كافيًا للتغلب على الانقسامات، وفي هذه الحالة، سيكون للوحدة الأولوية على الديمقراطية، وربما يكون هذا هو الطريق الأسهل، وقد يعتقد بايدن أن لديه أشياء أفضل ليقوم بها بدلًا من خوض معركة بشأن الإصلاح المؤسسي الديمقراطي، ومن غير المرجح أن ينجو أي إجماع بين الحزبين من التغييرات التي قد تجعل حزبًا منهما في وضع أسوأ من الناحية الانتخابية، حيث سيكون تفعيل إرادة الشعب مشروعًا مثيرًا للانقسام بشدة.
إن استحضار إرادة الشعب والاعتماد على المؤسسات المصممة لخنقها ليس وصفة لاستقرار طويل الأمد، ومع ذلك، فإن فعل أي شىء حيال ذلك يخاطر بالوحدة التي يقف من أجلها بايدن، فهو يتعامل مع الديمقراطية كما لو كانت حلاً سحريًا، بينما في الحقيقة هي معركة دائمة.
وفي يوم تنصيب بايدن، تم استبعاد الناس بالفعل، ولكن ليس بالطريقة التي قصدها المؤسسون، وبدلاً من ذلك، وبسبب تهديد المتطرفين، فقد تم إبعاد الحشود واستبدالها بأفراد عسكريين وأعلام حول المنصة.
إن التداول السلمي للسلطة ليس سوى الحد الأدنى لما يجب القيام به من أجل أن تسود الديمقراطية، ولكن إبقاء الديمقراطية في مأزق من أجل الوحدة لا يضمن حياة سلمية أيضًا.
ترجمة: المصري اليوم