الرئيسية / مقالات رأي / في الطريق إلى حبل المشنقة

في الطريق إلى حبل المشنقة

بقلم: علي الصراف – العرب اللندنية

الشرق اليوم- الحزب الجمهوري الأميركي يمضي إلى انقسام عظيم قد يقضي على فرصه لجيل أو جيلين. والسبب هو أنه وقع ضحية رئيسٍ زادتْ الهزيمةُ من نرجسيته.

الحزب الجمهوري لا يعرف الآن ما السبيل لمعالجة الكارثة. وسوف ينتهي إلى حبل يضيق على خناقه.

تجريم دونالد ترامب في مجلس الشيوخ سوف يؤدي إلى تهشيم القاعدة الانتخابية الواسعة التي استقطبها للحزب. وعدم تجريمه سوف يؤدي إلى تهشيم صورة الحزب ككل أمام الناخبين الأميركيين، ويظل الانقسام الداخلي قائما فيه.

في عزلته الطاحنة بين السادس من يناير، حيث وقع الهجوم على مبنى الكونغرس، ويوم تنصيب الرئيس جو بايدن في العشرين منه، كان ترامب في حالة غضب شديد، ولا أحد كان يعرف ماذا يمكن أن يفعل. ومن الناحية العملية، فقد تولى نائبه مايك بنس إدارة البلاد، وحذّره من القيام بأي تصرفات شاذة.

هناك قناعة متزايدة وراسخة في أوساط الجمهوريين، فضلا عن يمينهم العنصري، بأن سلطة الثنائي بايدن وكامالا هاريس هي في الواقع سلطة لليسار المتشدّد

وهناك ما يبرر الاعتقاد بأن بنس كان سعيدا، ليس بأقل من بايدن بعدم مشاركة ترامب في حفل التنصيب، لأنه كان يخشى من وقوع تصرفات هستيرية تحوّل المناسبة الاحتفالية التقليدية إلى مأساة وطنية.

كل موظفي البيت الأبيض، منذ اقتحام الكونغرس صاروا يتلقون الأوامر من رئيسين، واحد يدور حول نفسه، والآخر في”المبنى رقم واحد” بمجمع “المرصد البحري الأميركي”، حيث يقيم بنس.

الضابط الذي شوهد وهو يحمل حقيبة الأزرار النووية، لدى مغادرة ترامب للبيت الأبيض صبيحة يوم التنصيب، ربما كان يحمل نسخة مزيّفة منها. وهي ربما كانت كذلك منذ أن وقع ترامب ضحية الهستيريا التي نجمت عن رفضه التصديق بأنه خسر الانتخابات.

وطوال الوقت، لا أحد كان مستعدا للقول إن الولايات المتحدة يرأسها شخص مجنون. فذلك كان مما يمكن أن يؤدي إلى انهيار البورصات، وإلى اضطرابات دولية لا حدود لها.

الوحيدة التي شخّصت جانبا من حالة ترامب النفسية المضطربة، هي ابنة أخيه ماري ترامب التي نشرت كتابا بعنوان “أكثر مما ينبغي، وغير كافٍ أبدا”، وصفته فيه بأنه كذّاب ونرجسي ومتسلط، ومتعجرف وغشاش ويتعمّد الجهل، قبل أن تخلص إلى القول إن عائلتها “صنعت أخطر رجل في العالم”.

الآن تمضي هذه الصفحة إلى حيث تبدو وكأنها صفحة مطوية، إلا أنها ليست كذلك. فالسنوات الأربع الماضية التي مضت، في حدود سلطة البيت الأبيض، لم تمض بعد بالنسبة إلى البلاد، ولا للحزب الجمهوري. فالعاصفة مستمرة.

ولئن ترك ترامب رسالة وداع طيّبة للرئيس الجديد، فإنها بقيت سرا. ربما لكي يبقى الاضطراب فيها خافيا.

غدا سوف يُشاهد ترامب وهو يلعب الغولف. إلا أنه لا توجد ضمانات بأنه سوف يستردّ صحته العقلية، أو يكفّ عن تهديد الجمهوريين “الضعفاء”.

وإذا ما عاد ليجد نفسه وسط الجمهور، فانه يهدد الجمهوريين بتأسيس حزب جديد لكي يدفع بهم إلى الهاوية بعد أن ظلوا يركضون لأربع سنوات خلف رئيس مجنون.

إذا صدقت التكهنات بأن ترامب يزمع بالفعل تأسيس “الحزب الوطني”، فإنه سوف يلم شمل كل الجماعات اليمينية المتطرفة التي ظلت تتغطى بستار “الحزب الجمهوري”.

مجموعات مثل “حزب الشاي” و”براود بويز” و”كيو آنون” وغيرها من تنظيمات اليمين المتطرف، سوف تجد في ترامب نجما قادرا على توحيدها وإعادة توليفها لتكون قوة سياسية موحدة، على المستوى الوطني، بدلا من كونها مجموعات محلية ممزقة، ومن دون “مرشد روحي” يخاطب فيها التصعيد ونظرية المؤامرة.

وهذا ما سوف يسحب أكثر من نصف البساط من تحت أقدام الحزب الجمهوري.

التطرف يستقطب أكثر مما يمكن للاعتدال أن يفعل. هذا هو الواقع الذي سمح لترامب بأن يحصل على 75 مليون صوت من أصوات الناخبين.

“سي.أن.أن” قالت في لحظة صراحة “سواء أحببت ترامب أم كرهته، إلا أنك لا بد أن تعترف بأنه كان قوة جذبت كل ذلك الزخم من الناخبين”.

قوة الجذب تلك، حشدت كل قوى اليمين، كما حشدت في المقابل كل قوى اليسار أيضا. فبدا الانقسام صارخا.

وثمة ما يبرر لأنصار ترامب بأن ينسبوا الفضل له في حشد القاعدة الجمهورية على نحو لم يتمكن منه أي رئيس آخر من قبل.

إلا أن النواة الصلبة في هذه القاعدة هي اليمين المتطرف الذي أمضى ترامب رئاسته كلها وهو يغازله.

ولسوف يحتاج الجمهوريون التقليديون إلى وقت طويل ليعيدوا جمع قاعدتهم في ملعب “يمين الوسط”. فإذا وقع الانقسام، فلن يكون من الغريب على الإطلاق أن يتمكن أنصار ترامب من كسب بعض الولايات في مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس. وستكون تلك بمثابة ضربة قاضية يدوم أثرها ردحا طويلا من الزمن، وتزيد الشروخ الاجتماعية عمقا وتوترا.

ترامب الذي ظل ينتقد الجمهوريين ممن لم يقفوا إلى جانبه، سوف يجد طريقا لكي يحشرهم في الزاوية. وهم يقفون اليوم أمام أحد خيارين: إما أن يسعوا إلى تطهير الحزب من “الترامبية”، بكل ما تعنيه من شعبوية يمينية، فيصبح الانقسام الداخلي حتميا. وإما أن يتراخوا أمام المد ويقبلوا بعواقبه، وهو ما يعني أن ترامب سيكون هو قائد الحزب من الناحية العملية، وهو الذي يتحكم فيه، ليحوله إلى ملعب غولف من ملاعبه.

يملك ترامب القدرة المادية لذلك. كما أنه يستطيع أن يستقطب الكثير من أموال التبرّعات.

ولكن عدا عن فقدان بعض مصادر التمويل، فإن الحزب الجمهوري يواجه مأزقا ثلاثي الرؤوس. من ناحية، فإن الانزلاق المتواصل نحو اليمين، يُبعده عن قاعدته الرئيسية بين أوساط الطبقة الوسطى. ومن ناحية أخرى، فإن التغيير الديمغرافي يقود المزيد من الشباب والأقليات إلى التصويت لصالح الديمقراطيين، وهو ما يجعل فرصه تضيق. أما الناحية الأسوأ، فهي تنامي ظاهرة الازدراء للتقاليد والقيم الديمقراطية، بين الناخبين الجمهوريين الذين يعتبرون أنها تضفي طابعا مزيّفا على الواقع.

وهذا ما جسدته تظاهرة اقتحام الكونغرس أفضل تجسيد. وكانت نوعا من راديكالية لم يفعل ترامب سوى أنه توّجها بالتبرير.

صحيفة نيويورك تايمز تقول (23-01-2021)، إن عاصفة اقتحام الكونغرس بدأت عهدا جديدا لليمين المتطرف طويل الأمد، وإن المتشددين اليمينيين، ومن بينهم الميليشيات المعادية للحكومة، وجماعات تفوق العنصر الأبيض وأصحاب نظرية المؤامرة، لا يعتبرون أن شيئا في التمرد كان فاشلا.

ما حدث في السادس من يناير، كان بعبارة أخرى، فصلا آخر من فصول معركة حشد القوى.

تجريم دونالد ترامب في مجلس الشيوخ سوف يؤدي إلى تهشيم القاعدة الانتخابية الواسعة التي استقطبها للحزب. وعدم تجريمه سوف يؤدي إلى تهشيم صورة الحزب ككل

وهناك قناعة متزايدة وراسخة في أوساط الجمهوريين، فضلا عن يمينهم العنصري، بأن سلطة الثنائي بايدن وكامالا هاريس هي في الواقع سلطة لليسار المتشدّد.

الانقسام في عموم الولايات المتحدة، إذا كان يبدو حادا وعنيفا، فإنه أكثر حدة وعنفا داخل الحزب الجمهوري.

وعندما يوحي ترامب بأنه يمكن أن يذهب إلى تأسيس حزب جديد، ولو على سبيل التهديد لعرقلة محاكمته، فإنه يبعث برسالة صريحة تقول للحزب إنه سيخسر الكثير من نفوذه وقاعدته ومقاعده في الكونغرس.

ولو حدث ذلك بالفعل، فإنه مما لن يمضي أثره بسلام، لا على مؤسسات النظام، ولا على الاستقرار، في بلد يواجه أزمتين كبيرتين: وباء كورونا، والركود الاقتصادي.

الجمهوريون سوف يدفعون ثمن ركضهم وراء يمينية ترامب، وانكفاء بعضهم عنه في الميل الأخير. ومحاكمته في الكونغرس ستحدد أول خطوط الانقسام في صفوفهم. ولكنها ستقرر أيضا ما إذا كان الحزب الجمهوري سوف يتحول إلى ملعب غولف لليمين، أم أنه سيعتلي بفخر أعواد المشنقة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …