بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- الآن، وبعدما تم تنصيب جو بايدن رسمياً، رئيساً للولايات المتحدة تتجه الأنظار في العالم تحديداً لتوجهاته المقبلة لسياسته الخارجية. ويظل التساؤل الحيوي هو، ما هي السياسة الخارجية للرئيس الجديد؟
القراءة الأولى لتصريحات بايدن تنطق بأولوية الشأن الداخلي في أجندته السياسية، ويتفق هذا التصور مع ما أظهرته استطلاعات للرأي العام من أن الأمريكيين يتفقون على أن مستقبل بلادهم في خطر. وهو تصور يجمع بين الأوضاع الداخلية، وبين الأحداث الخارجية معاً.
لهذا بدا أن بايدن يركز أولاً على الشأن الداخلي: بمواجهة وباء كورونا، وإصلاح الاقتصاد، وعلاج الانقسامات الداخلية، ومنها التوترات العنصرية، والشكوى المتصاعدة من انعدام المساواة في الداخل، والتفاوت المتزايد بين الأكثر ثراء والأقل دخلاً.
وإذا كانت تلك أولويات بايدن فإن التحديات الخارجية، ومنها الصعود التكنولوجي للصين وروسيا والمنافسة الالكترونية معهما، تجذب اهتمامه إلى هذه الناحية، خاصة أنه حدد ضمن أجندته، استعادة العلاقة مع الحلفاء، ومشاركتهم مع أمريكا في مواجهة التحديات الخارجية خاصة من الصين روسيا.
وهناك ملمح جديد لإدارة بادين لا يتمثل في اختياره كاميلا هاريس نائبة له فقط، وإنما في الدور الذي ستلعبه في الإدارة السياسة للبيت الأبيض. والمعروف أن الرئاسات السابقة، وعلى طول العهود، عرفت كيفية تحديد الرئيس للدور الذي يلعبه نائبه، والذي لم يكن له فاعلية في صلب إدارة السياسات، والتي تلقى على عاتق كل من وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، وعادة ما كان الرئيس يكلف نائبه بزيارات خارجية للتواصل مع زعماء دول أخرى، وببعض المهام ذات الطابع الاحتفالي.
هنا لا يغيب المغزى الذي فعلته مجلة “تايم”، فهي اعتادت مع مجيء كل رئيس جديد أن تجعل صورته تتصدر غلاف المجلة، باعتباره شخصية العام. لكنها خرجت هذه المرة عن هذا التقليد ونشرت على غلافها صورة للاثنين: بايدن وكاميلا. وكان لذلك دلالاته، من حيث إنها ستكون شريكاً للرئيس في سياساته. وقد عرف بداية أنها قدمت إلى بايدن رؤيتها بشأن الأفضل لشغل المناصب الوزارية الرئيسية.
والمعروف إن كاميلا (55 عاماً) لديها خبرات سابقة في العمل السياسي، وسبق عندما كانت عضواً في لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ أن أشاد بقدراتها القيادية، أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين.
وبالطبع، فإن الفريق الذي اختاره بايدن لمعاونته، خاصة وزيري الخارجية والدفاع ومندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، كانوا الأقرب إلى تفكيره، وإن كان هذا لا يمنع من تفاوت أفكارهم تجاه عدد من قضايا السياسة الخارجية.
وبخلاف قضايا السياسة الخارجية بشكل عام، فإن ما يهمنا هنا بصورة خاصة، هو سياسته تجاه الشرق الأوسط، ونحن جزء منه. وقد لاحظنا أن بعض الرؤساء السابقين يميلون إلى خفض اهتمامهم بالشرق الأوسط، إما للشعور بأن التحديات تتزايد في مواجهتهم من ناحية آسيا، خاصة من جانب الصين، أو لما يشعرون به من أن مشاكل المنطقة صارت عصية على الحل. لكنهم سرعان ما يكتشفون أن الشرق الأوسط يفرض نفسه على الرئيس وإدارته، بسبب احتواء المنطقة على كثير من المصالح الأمريكية الاستراتيجية. ويتفق معهد هوفر للدراسات السياسية في ذلك بقوله: رغم التحديات في مناطق العالم، إلا أن الشرق الأوسط يمثل التحدي الأكبر لأمريكا عن أي منطقة في العالم.
وستظل القضية الفلسطينية قضية مختلف عليها في الولايات المتحدة، فمن ناحية ينحاز الكونجرس لإسرائيل، مدفوعاً بحسابات أعضائه لفرض إعادة انتخابهم، والتي تلعب فيها القوى اليهودية الأمريكية دوراً مؤثراً في تحمل جزء من أعباء تمويل المرشحين، والدعاية في حملاتهم الانتخابية. ومن ناحية أخرى، هناك أصوات من الخبراء المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط يحذرون من أن ترك هذه المشكلة بلا حل جذري، يمكن أن يعرّض مصالح أمريكا للخطر في وقت ما، بل إن منظمات يهودية أمريكية معتدلة حذرت بدورها من أن السياسة التي يتبعها نتنياهو قد تخلق وضعاً مأساوياً ليهود إسرائيل في المدى المتوسط.
يبقى هنا سؤال: إذا كانت أهداف بايدن فى السياسة الخارجية التي شرحها مستشاره للأمن القومي، جاك سوليفان، تتضمن المشاركة مع الحلفاء في مواجهة التحديات التي تواجه الولايات المتحدة خارجياً، وأيضاً ما قاله بايدن في خطاب عام 2019 بجامعة مدينة نيويورك من أن أجندته تبدأ باستعادة المكانة القيادية لأمريكا، والعمل مع الحلفاء والشركاء، لتفعيل العمل الجماعي الدولي، تجاه التهديدات العالمية، فهل يعني تركيزهم على هذه المعاني، أن إدارة بايدن يمكن أن تسمح بدخول الحلفاء في أوروبا، في دائرة البحث العقلاني للقضية الفلسطينية؟