الشرق اليوم – إن حركة الاحتجاج الروسية التي يقودها المدون أليكسي نافالني، والمواجهات التي جرت بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تثقل كاهل “الكرملين”. هذه الحركة عبارة عن شبكة من النشطاء والحلفاء السياسيين ومنسقي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يسخّرون هذه الوسائل للضغط على بوتين وحلفائه، لفضح الفساد.
نافالني البالغ من العمر 44 عاما محتجز في السجن منذ عودته مطلع الأسبوع الماضي من ألمانيا، حيث عولج من تسمم بالغاز العصبي شبه المميت في أغسطس / آب أثناء قيامه برحلة في سيبيريا، ويزعم أن بوتين أمر بتسميمه، ونفى “الكرملين” أي دور له، لكنه يرفض فتح تحقيق جنائي في الواقعة.
ولدى نافالني 3 قضايا جنائية معلقة ضده، كلها ذات دوافع سياسية، كما يقول. ويمكن لأي منها أن تدخله السجن لسنوات.
إن أكثر ما يخشاه “الكرملين” هو اندلاع “ثورة ملونة”، وهي احتجاجات ضخمة لا يمكن السيطرة عليها مثل الثورة البرتقالية في أوكرانيا، التي حدثت من أواخر عام 2004، إلى أوائل عام 2005، أو ثورة الورود في جورجيا في عام 2003.
لذلك نجد أن قوات أمن بوتين تخمد أي احتجاجات كبرى في أي مدينة بسرعة وبصعوبة، باستخدام الاعتقالات الجماعية وحجب الإنترنت وعقوبات طويلة بالسجن والمضايقات المستمرة للمعارضين السياسيين.
فعلى سبيل المثال، دعا نافالني إلى احتجاجات في الشوارع أمس السبت. وخرجت عشرات الآلاف من المؤيدين إلى الشوارع في أنحاء روسيا، لكن لا توجد فرص واقعية لإبعاد بوتين عن السلطة، على الأقل ليس على المدى القصير. وحتى الهدف الأكثر تواضعا المتمثل في إرغام السلطات على إطلاق سراح نافالني يبدو بعيد المنال، بعد إعلانه عدوا للدولة. وفي الوقت نفسه، وسّعت قوات الأمن التابعة لبوتين من حملات القمع ضد شخصيات معارضة أخرى وصحفيين ونشطاء.
وكانت مجموعة نافالني قد أصدرت مقطع فيديو على موقع يوتيوب يتهم بوتين بالفساد الهائل. وزعمت أن بوتين بنى سرا مجمعا فخما على ساحل البحر الأسود في روسيا وأنجب طفلة خلال علاقة غرامية. ورفض المتحدث باسم “الكرملين” الفيديو ووصفه بأنه “خدعة” و”محض هراء”. لكن تمت مشاهدته أكثر من 25 مليون مرة في أقل من 24 ساعة.
وفي عام 2017، نشرت قناة نافالني على يوتيوب مقطع فيديو يظهر القصر الريفي لرئيس الوزراء آنذاك ديمتري ميدفيديف، مكتملا بقفص البط الفاخر الخاص به. ونظم نافالني مسيرات مناهضة للفساد في 95 مدينة. كان رمز الاحتجاج في ذلك اليوم عبارة عن بطة مطاطية. وقال مراقبو حقوق الإنسان إن نافالني وأكثر من ألف آخرين اعتُقلوا. واستمرت الاحتجاجات الجماهيرية ضد الفساد طوال ذلك العام.
وكان نافالني قد بدأ لأكثر من عقد نشاطا قويا ضد الفساد اندلعت خلاله احتجاجات في ديسمبر / كانون الأول 2011. وفي مايو / أيار 2012، أدت “مسيرة الملايين” إلى اتهام 37 شخصا بأعمال الشغب والاعتداء على الشرطة، لكن الشهود لم يروا مثل هذه الحوادث. وكان من بين العديد من قادة الاحتجاج نافالني، وبوريس نيمستوف، الذي قتله مسلحون في عام 2015 بالقرب من الميدان الأحمر في موسكو.
وفي يوليو / تموز 2013 قضت محكمة بسجن نافالني 5 سنوات بتهمة الاختلاس. وقال نافالني إن الاتهامات كانت انتقاما سياسيا. وتدفق المتظاهرون على الفور إلى الشوارع بالقرب من “الكرملين” بعد صدور الحكم. وغرد نافالني في وداع للمحتجين: “حسنا. لا تملوا هنا (هذا المكان) من دوني. والأهم من ذلك، لا تتراجعوا. لن يقفز الضفدع من أنابيب الزيت نفسها”. كان يقصد بوتين، جالسا على قمة اقتصاد مبني على النفط.
وقال ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم سوفياتي، إن الحكم على نافالني يثبت أن القضاء الروسي ليس مستقلا، بل إن بعض السياسيين المقربين من بوتين أعربوا عن استيائهم. ويبدو أن الضغوط كانت لها نتائج لصالح مجموعة نافالني، الذي حُكم عليه في النهاية بوقف التنفيذ.
هذا وقد حاول نافالني في 2018، منافسة بوتين في الانتخابات الرئاسية، لكن سلطات الانتخاب منعته. واندلعت الاحتجاجات على القرار في 118 مدينة. وشن نافالني احتجاجات حاشدة في 90 مدينة بعد فوز بوتين كان شعارها “ليس هو قيصرنا!” وتم اعتقال ما لا يقل عن 1612 شخصا، وفي وقت لاحق من ذلك العام، اندلع المزيد من الاحتجاجات على تحرك بوتين لرفع سن استحقاق المعاش التقاعدي.
وفي يوليو / تموز 2019، تظاهر آلاف الأشخاص في موسكو بعد منع عشرات المرشحين المستقلين من الانتخابات. وسعى نافالني إلى تنظيم مسيرة ثانية، لكن السلطات انقضّت عليه، وسُجن لمدة 30 يوما. واستمرت الاحتجاجات في أغسطس / آب. وحُكم على 9 متظاهرين، بتهمة الشغب أو الاعتداء على الشرطة، بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات ونصف السنة. وفي تلك الأثناء، كان الشرق الأقصى في روسيا نقطة ساخنة غير متوقعة للاحتجاجات المناهضة للحكومة.
ففي يوليو / تموز 2020، ألقت السلطات القبض على حاكم محلي شعبي في خاباروفسك بتهمة القتل، وهو ما نفاه الحاكم. وفوجئ “الكرملين” بخروج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، وأدى خروجهم، على بعد حوالي 3800 ميل شرق موسكو، إلى إثارة المزيد من السخط المحلي، وتوحيد القوى السياسية المتباينة لشهور. وأدى تعيين “الكرملين” لحاكم جديد إلى زيادة غضب الجمهور.
ترجمة: الجزيرة