BY: ÀLEX BUSTOS
الشرق اليوم – يُعد أليكسي نافالني، من أبرز وجوه المعارضة الروسية خارج مجلس الدوما. يحظى هذا المحامي والمدون الشهير بدعم كبير خاصة في كبرى المدن مثل موسكو وسانت بطرسبرغ. وقد سُجن عدة مرات ثم تمتّع بإطلاق سراح مشروط. ويعرف عامة الناس نافالني من المظاهرات التي اندلعت سنة 2011 في روسيا ونددت بالفساد وتزوير الانتخابات التشريعية.
نافالني عمل بمساعدة مؤسسته على تنشيط المعارضة الروسية خارج مجلس الدوما التي عاشت سنوات من الركود. ففي روسيا، لا تتمتع المعارضة التي تمثلها أحزاب مثل الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية أو الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي بثقل حقيقي. ولا تحتل هذه الأحزاب سوى مقاعد قليلة في مجلس الدوما ناهيك عن أنها تميل إلى دعم قرارات حكومة بوتين المهمة مثل تعيين ميخائيل ميشوستين رئيسًا للوزراء.
نافالني قد دعا أنصاره للتظاهر في أنحاء روسيا يوم السبت، لكن السلطات لم تمنح الإذن بتنظيم المظاهرات المنادية “بالحرية” لأسباب تتعلق بالسلامة الصحية، وذلك على الرغم من أنها خففت من التدابير الوقائية في وقت تسجل فيه حوالي 20 ألف إصابة يوميًا، وسمحت بتنظيم الفعاليات الرياضية والثقافية التي يشارك فيها عادة عدد كبير من الأشخاص.
وفي سنة 2016، قررت المعارضة المضي قدما في تحقيق التطلعات التي تطمح لها في البلاد. واتخذ أليكسي نافالني، قراره وبدأ بإجراءات الترشّح للانتخابات الرئاسية لسنة 2018. ترأس نافالني الحزب التقدمي الروسي وهو حزب ليبرالي معروف بأنه موال لأوروبا تم قبل ثلاث سنوات تغيير اسمه إلى “روسيا المستقبل”.
الجدير ذكره أن اللجنة الانتخابية المركزية رفضت ملف ترشّح نافالني لرئاسة البلاد بعقوبة مع وقف التنفيذ في قضية اختلاس أموال. وحتى مع استئناف الحكم، رفضت السلطة المختصة إعادة النظر في ملفه. منذ ذلك الحين، سُجن هذا الناشط عدة مرات بتهمة تنظيم تجمعات واحتجاجات غير مصرح بها من قبل الدولة، آخرها كان في سنة 2019 على خلفية رفض اللجنة الانتخابية السماح بترشّح بعض المعارضين.
نافالني ربما لم يعد يطمح لرئاسة البلاد لأنه مسجون حاليًا، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة التحقيق في ملفات الفساد والدعوة إلى ضرورة إجراء انتخابات نزيهة في روسيا إلى جانب معارضين آخرين من خارج مجلس الدوما. ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أيلول / سبتمبر 2021، أعدّ نافالني مع أعضاء آخرين في مؤسسة مكافحة الفساد ما أطلقوا عليه تسمية “نظام التصويت الذكي”.
وفي آب / أغسطس كان نافالني في سيبيريا مع بعض مساعديه يدرسون كيفية تطبيق تقنية التصويت الذكي. من خلال هذا النظام، يريد فريق نافالني تجريد بوتين وحزبه “روسيا الموحدة” من أكبر قدر من السلطة. ويقوم هذا النظام بدراسة ملف المرشح الذي تزيد فرص فوزه في الانتخابات ومنحه دعمًا غير مشروط بغض النظر عن أيديولوجيته.
إن نظام التصويت الذكي اُستخدم لأول مرة في الانتخابات الإقليمية في شهر أيلول / سبتمبر الماضي حيث ساعد مرشحي المعارضة على تحقيق بعض الانتصارات في مدن ومناطق سيبيريا، بما في ذلك نوفوسيبيرسك – إحدى أكبر المدن في المنطقة. وفي ما يتعلق بهذه الانتخابات، صرح نافالني بأنه “إذا خسر حزب روسيا الموحدة أغلبية الأصوات، فإن قوة هؤلاء المجرمين ستتلاشى على الفور”.
بمجرد عودته من اللقاء الذي جمعه ببعض الحلفاء في سيبيريا، دخل نافالني في غيبوبة بعد الشعور بألم شديد. وقد اتضح فيما بعد أنه تسمم أثناء تواجده في مدينة أومسك. وبفضل التدخل السريع للأطباء والهبوط الاضطراري لقائد الطائرة، ظل نافالني على قيد الحياة. وقد أذِنت الحكومة الروسية بنقله إلى ألمانيا لتلقي الرعاية الطبية اللازمة بعد أيام من دخوله في غيبوبة.
إن بعض المقربين من الحكومة الروسية صرحوا بأن الوضع الصحي الحرج لنافالني كان بسبب سمّ ألماني وضعه له شخص من فريقه. وقيل أيضا إن نافالني سمم نفسه حتى يصبح شهيدًا. في المقابل، أكدت المختبرات السويدية والفرنسية والألمانية أن السم الذي تم استخدامه ينتمي إلى عائلة “نوفيتشوك” الذي صُنّع لأول مرة في الاتحاد السوفييتي. وأكّد الخبراء الكيميائيون أن تحضير هذا السمّ بالذات ليس عملية بسيطة يمكن القيام بها في أي مختبر.
بعد استيقاظه من الغيبوبة في ألمانيا، فتح نافالني تحقيقًا مع بعض وسائل الإعلام حول هوية من قام بتسميمه في شهر آب / أغسطس. بعد العثور على معلومات كافية، أوضح في مقطع فيديو أن أجهزة المخابرات الروسية هي من تقف وراء محاولة القتل باستخدام سمّ نوفيتشوك في أحد فنادق مدينة أومسك. ولم يكتف نافالني في هذا الفيديو بالكشف عن الأطراف التي حاولت تسميمه والتكوين الذي تلقاه منفّذو العملية فحسب، بل تحدث أيضًا عن المدة التي قضوها في تتبعه والطريقة التي سمّموه بها.
ومن أبرز النقاط التي ذكرها المعارض الروسي أن عملية اغتيال بهذا الحجم يستحيل تنفيذها من دون موافقة السلطات العليا – أي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لذلك، وجّه المدون أصابع الاتهام مباشرة إلى الرئيس واتهمه بالرغبة في اغتياله بالسم كما حاول فعل ذلك مع الجاسوس السابق سيرغي سكريبال.
كما أوضّح نافالني خلال مقطع الفيديو أنه يشك أن تكون تلك المحاولة الأولى لتسميمه، مشيرا إلى مناسبتين كان يعتقد فيهما أنه يعاني من آثار السكر. وفي مقطع فيديو آخر، أفاد نافالني بأن السم وُضع في ملابسه الداخلية مؤكدًا أنه كان هناك فريق من الأشخاص يتبع خطواته لمدة ثلاث سنوات في أماكن مختلفة من روسيا.
إلا أن “الكرملين” نفى هذه الاتهامات الخطيرة، حيث قال فلاديمير بوتين إنه “إذا أرادت روسيا قتله، لكان ميتًا بالفعل”. ولم تفتح السلطات الروسية أي تحقيق في حادثة التسمم لكنها تؤكد أنها تراقبه بسبب “نيته قلب نظام الحكم وعلاقاته بوكالات أجنبية”.
بوجود نافالني في الحبس الاحتياطي بالفعل، نشر أعضاء فريقه يوم الثلاثاء الماضي مقطع فيديو مدته ساعتان يظهر “قصر بوتين” المزعوم. وقد أكّد الفريق أن القصر يمسح حوالي 78 كيلومترًا مربعًا، أي أن مساحته تعادل 39 مرة مساحة إمارة موناكو. وقد اتهموا الرئيس الروسي ببناء هذا القصر بفضل “أكبر رشوة في التاريخ”.
الجدير بالذكر أن نافالني كان لديه علاقات بالقوميين والإمبرياليين الروس، وقد استخدم علانية عبارات عنصرية ضد المهاجرين من آسيا الوسطى أو ضد المسلمين. وفي الوقت الحالي، لم يعد يستخدم هذا الخطاب بشكل علني وقام بتعديل طريقته في التعبير عن أفكاره علمًا بأنه لم يعتذر علنًا عن عباراته العنصرية، لأنه في ذلك الوقت كان يعتقد أنه يمكنه التحدث مع كل من الليبراليين والقوميين.
ويبدو أن هذه المواقف القومية جعلت من الصعب على الكرملين اتهامه بأنه دمية في يد الغرب. في المقابل، اعترفت العديد من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنه ناشط ديمقراطي وطالبت روسيا بالإفراج عنه.
ترجمة: عربي 21