الشرق اليوم – نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تحقيقا حول “حرب الفضاء” تقول فيه: “إن الحرب على الأرض اليوم تكسب جزئيا من الفضاء الخارجي عن طريق البث والمراقبة، غير أن المعدات التي ستتواصل فيما بينها مباشرة عبر الأقمار الصناعية في المستقبل، ستعالج كميات هائلة من البيانات، وبالتالي ستصبح منطقيا أهدافا ومجالات للتجسس، مما يعني أن المواجهة حتمية بين القوى الفضائية”.
تضيف الصحيفة: أن المنافسة انطلقت بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في هذا السياق، كما أن فرنسا عازمة هي الأخرى على تزويد جيوشها بشبكة أقمار صناعية.
وتتابع “لو فيغارو” أنه ومنذ أن أطلق الاتحاد السوفياتي رحلة سبوتنيك الأولى عام 1957، أصبح غزو الفضاء جزءا ثابتا من طموحات الدول، وصار الفضاء اليوم مكونا أساسيا من الحياة الاقتصادية، إلا أن القدرة على إطلاق الصواريخ لا تزال محدودة، حيث تملك 90 دولة تقريبا قمرا صناعيا واحدا على الأقل في المدار.
وقد أحصى المركز الوطني لدراسات الفضاء حوالي 22 ألف جسم يدور حول الأرض، منها 2200 قمر صناعي نشط، وإن كان بعض هذه الأجسام غير معروف، لأن بعض القوى العظمى تنسى أحيانا التصريح ببعض ما تطلقه.
الجدير ذكره أن هناك 3 أنواع من المدارات تجعل من الممكن التمييز بين الوظائف المختلفة، حيث توجد أقمار صناعية للاتصالات في المدارات العليا (36 ألف كم)، وتوجد وسائل المراقبة وخاصة العسكرية في مدارات منخفضة (بين 160 و2000 كيلومتر)، أما في المدارات المتوسطة فتوجد أقمار تحديد الموقع الجغرافية.
وبحسب الصحيفة فإن الازدحام في الفضاء لم يصل بعد إلى حد مخيف، ولكن تزايد الأجسام فيه هائل، بحيث زاد عدد الأقمار الصناعية العاملة في غضون 10 سنوات بأكثر من الضعف، وأعلن لاعبون خاصون عن إطلاق مجموعات ضخمة، مثل “سبيس إكس” (SpaceX) التي أطلقت مشروع “ستارلينك” (Starlink) لإطلاق 12 ألف قمر صناعي.
وفي هذه البيئة المتغيرة بسرعة تبدو اللعبة غير متوازنة بين الدول التي لديها مصلحة في الفضاء وتلك التي يمكنها اتخاذ إجراءات هناك وأولئك الذين يرغبون في اكتساب المهارات، حيث لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بالصدارة بعد أن أعادت إنشاء قيادة فضائية منفصلة في عام 2019، وحيث يقدر المحللون الصينيون أن 70% من الاستخبارات الأميركية تعتمد على القدرات الفضائية.
غير أن التقدم الأميركي في هذا المجال يوشك أن ينتهي، لأن الصين وروسيا تسعيان حثيثا للحاق بالركب، وإذا كانت ميزانية الفضاء الصينية المقدرة بـ10 مليارات دولار لا تزال أقل بكثير من ميزانية الولايات المتحدة التي تبلغ 50 مليارا، فإن الفضاء جزء من “الحلم الصيني” لدى الرئيس شي جين بينغ.
وتقول الصحيفة: أما في أوروبا، فتعد فرنسا الأكثر تقدما، بإنشائها عقيدة عسكرية وقيادة فضائية في عام 2020، وهي تسعى لتطوير قدرات معرفية وإقامة دفاع نشط على المدى المتوسط، في حين قدمت الهند أول صاروخ مضاد للأقمار الصناعية في يومها الوطني في يناير / كانون الثاني 2020، وأنشأت اليابان في أبريل / نيسان 2020 وحدة فضائية ضمن قواتها الدفاعية.
وتشير “لوفيغارو” إلى أنه في معاهدة عام 1967، تعهد المتنافسون الكبار في الحرب الباردة بتجنب عسكرة الفضاء من خلال منع وضع أسلحة نووية هناك، ولا يزال المبدأ قائما، ولكن القواعد التي تحد من العسكرة والمواجهة في الفضاء لا تزال غير واضحة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، تلعب موسكو وبكين لعبة مزدوجة في الأمم المتحدة ضمن لجنة “الاستخدام السلمي” للفضاء، حيث اقترحتا معاهدة جديدة ملزمة قانونا بشأن عدم نشر أسلحة في الفضاء الخارجي، إلا أن واشنطن واجهتهما برفض قاطع، لأن الاقتراح لم يشمل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية الموجودة على الأرض والتي طوّرها منافسوها.
وتنوه الصحيفة إلى أم المنافسة قد احتدمت بعد أن أجرت الصين تجربة إطلاق صاروخ مضاد للأقمار الصناعية عام 2007، حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها في مواجهة تحدٍّ في مجال تفوقها، كما بدأت روسيا لاحقا في تطوير مثل هذه التكنولوجيا التي تهدد بشكل أساسي الأجسام الموجودة في مدار منخفض.
واستنكر الجنرال جيمس ديكنسون، قائد قيادة الفضاء الأميركية تجربة موسكو لصاروخ مضاد للأقمار الصناعية وقال إن “روسيا تؤكد علنا أنها تعمل على منع تحويل الفضاء إلى ساحة معركة، ولكنها في الوقت نفسه تواصل تسليح الفضاء من خلال تطوير القدرات في المدار وتشغيلها”.
ومع أن تدمير جسم في المدار هو العمل الأكثر خطورة وقد يُنظر إليه على أنه عمل حربي، فإنه لا يكاد يكون محتملا، نظرا للحطام الفضائي الذي قد يولده في منطقة الغلاف الجوي الخارجي، والذي يمكن أن يتحول إلى قذائف مدمرة، لن يكون أحد معها بأمان.
وتشير الصحيفة في تحقيقها إلى أن الحرب الإلكترونية تشكل وسيلة أخرى بقدرتها على تشويش الإرسال بين السماء والأرض، خاصة أن كل القوى العظمى لديها مثل هذه الوسائل، حيث اتهمت كوريا الجنوبية جارتها كوريا الشمالية بالتشويش على روابط تحديد المواقع الخاصة بها عام 2016، وفي عامي 2017 و2020، تمكّنت فرنسا من متابعة مناورات قمر صناعي روسي يقترب من الأقمار الصناعية الفرنسية، وفي عام 2018، أثبتت الصين قدرتها على المناورة في المدار الثابت بالنسبة للأرض.
ومن المحتمل أن عمليات “القرب والالتقاء” هذه يمكنها التقاط الإرسال لأغراض التجسس أو الإضرار بأجهزة المنافس، ويقولون في سلاح الجو والفضاء إنهم “رأوا الأقمار الصناعية في المدارات المنخفضة تقترب جدا من بعضها وتناور وتبتعد وتنخفض وتطلق جسيمات صغيرة باتجاه أقمار أخرى، مما يعني أن لديها قدرات حربية”، وبالتالي لا يفصلنا عن حرب الفضاء سوى خطوة واحدة.
ويقول الجنرال لافين، رئيس أركان سلاح الجو والفضاء الفرنسي إن “المفتاح هو الكشف والتعرف والرد”، حيث القدرة على مراقبة الفضاء هي الدفاع الرئيسي لردع الخصوم، ولكنها تشكل التحدي الأول، لأن رؤية كل شيء من الأرض غير ممكنة، ولذلك لا بد من تطوير قدرات الرصد.
ويضيف الجنرال: أن “المطلوب من أي قمر صناعي الآن هو أن يكون متعدد الأدوار وأن يكون قادرا على مشاهدة ما يجري في الفضاء”، ولذلك يريد الجيش أن يجهز نفسه بوسائل دفاعية نشطة.
ترجمة: الجزيرة