بقلم: د.عبدالله محمد الشيبة – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – تواردت الأنباء مؤخراً عن رغبة إيران في الانخراط في حوار مشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك في استجابة لاقتراح قطري، بل واستعداد من الدوحة أيضاً للقيام بدور الوساطة بين دول المجلس وإيران.
وعلى الرغم من أن تلك الدعوة قد جاءت عشية انتهاء حقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، واستلام الرئيس الأميركي جو بايدن، لمقاليد البيت الأبيض، إلا أن ربط البعض بين تلك التطورات على الساحة الأميركية والدعوة لحوار خليجي – إيراني يبدو خاطئاً لسبب جوهري، ألا وهو أن الأخطار التي تراها دول مجلس التعاون مهددة لأمنها الوطني من جانب إيران لم ولن ترتبط بشخصية من يقود البيت الأبيض، بل هي أخطار موجودة ومستمرة منذ عقود طويلة. وكما ذكرت سابقاً، فإن الإحساس بالأخطار المهددة للأمن الوطني لدول شبه الجزيرة العربية كان الدافع الرئيسي لإنشاء مجلس التعاون، الذي يهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
ومن أبرز تلك الأخطار، الرغبة المدفونة بعمق والمتوارثة لدى جميع من يقود إيران بدءاً من الحضارات القديمة وصولاً لقادة الثورة الإسلامية منذ عام 1979، بضرورة التوسع والهيمنة على دول الجوار. ولقد ترجمت طهران تلك الرغبة ما بعد عام 1979 بترسيخ سياسة “تصدير مبادئ الثورة الإسلامية”، وما ترتب على ذلك من تدخلات ما زالت مستمرة في الشؤون الداخلية لدول المجلس وإثارة الفتنة الطائفية. أضف إلى ذلك الاحتلال الإيراني لجزر دولة الإمارات العربية المتحدة الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، في عام 1971 ثم تبعات الحرب العراقية – الإيرانية بين عامي 1980 و1988 بجانب الدعم الإيراني لانقلاب جماعة “الحوثي” في اليمن على النظام الشرعي في صنعاء. ولكن في السنوات الأخيرة برز الخطر الإيراني الأكبر على الصعيد الاستراتيجي، هو سعي طهران لامتلاك السلاح النووي وتطوير ترسانة من الصواريخ الباليستية التي تهدد دول الجوار.
وهنا يتبادر للذهن تساؤل مهم، وهو على أي أرضية سيقف “الحوار الخليجي- الإيراني” حال حدوثه؟ أي بمعنى آخر، هل ستُبادر إيران باتخاذ إجراءات عملية وملموسة لإرساء مبدأ “حسن النية” والبدء في بناء الثقة مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تضررت بشدة من السياسات الإيرانية، أم ستجلس إيران على طاولة المحادثات وتضع شروطها المسبقة بعدم الحوار حول سياسة “تصدير الثورة الإسلامية”، أو احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، أو الدعم المستمر لجماعة “الحوثي” الانقلابية أو إثارة الفتنة الطائفية أو برنامج التسلح النووي الإيراني؟ وهنا ستكون إجابة العديد من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي هي على أي أساس سيكون الحوار إذا لم يقوم على أساس النقاش حول علاج تلك الأخطار الإيرانية، خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تحتل أراضٍ إيرانية، ولا تحرض على الفتنة الطائفية في إيران، ولا تدعم أي جماعة تستهدف نظام الحكم في طهران، ولا تسعى لامتلاك صواريخ باليستية أو أسلحة نووية لتهديد إيران.
ونحن بدورنا نود توجيه التساؤل التالي لإيران، وهو هل بمقدورها الالتزام بما دعا إليه رئيسها حسن روحاني عام 2019 عندما اقترح مبادرة “تحالف الأمل” للسلام بين بلاده وبين دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تقوم على الالتزام بكافة القوانين والأعراف التي تُقرها الأمم المتحدة والقوانين الدولية، بما يضمن سيادة الدول المشاركة فيه وعدم الاعتداء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتبدأ الحوار على أساس علاج كافة الأخطار التي تراها دول المجلس تُهدد أمنها الوطني والمذكورة آنفاً؟