الشرق اليوم – نظراً إلى تصرفات الرئيس السابق دونالد ترامب منذ الانتخابات الأخيرة، لا سيما تشجيع مناصريه على مهاجمة مبنى الكابيتول، من المبرر أن تميل إدارة الرئيس جو بايدن إلى التخلي عن سياسات ترامب، لكن سيكون الرفض الشامل لمقاربته خطأً فادحاً، فثمة حاجة مثلاً إلى الحفاظ على عناصر من سياسات ترامب تجاه الصين.
طبّق الحزب الشيوعي الصيني أجندة عدائية متوسّعة، فاستغل سياسة التعاون الأميركية، فقد سبق أن طرح فريق الأمن القومي الأميركي فرضيات جديدة وأكثر واقعية حول أهداف الحزب الشيوعي الصيني، منها الفكرة القائلة إن “المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين ستستمر نظراً إلى الاختلاف في طبيعة وأهداف الأنظمة السياسية والاقتصادية بين البلدين”.
تأكدت صحة هذا التقييم حين تابعت الصين سياساتها الاقتصادية والعسكرية العدائية، ولا شك أن إدارة بايدن ستبتكر طرقاً خاصة بها لتحسين إطار العمل الاستراتيجي، لكن ستكون استمرارية تلك المقاربة أساسية. يستطيع مستشارو بايدن تقوية إطار العمل عبر تصحيح ثلاث نقاط مغلوطة بشأنه.
تتعلق النقطة الأولى بارتباط العدائية الصينية الراهنة بتوتر العلاقات بين واشنطن وبكين أو اعتبارها رداً على وضع الصين في مصاف خصوم الولايات المتحدة خلال عهد ترامب، لكنها فكرة مغلوطة وهي تشتق من النرجسية الاستراتيجية، أي المفهوم القائل إن قادة الحزب الشيوعي الصيني لا يحملون أي طموحات أو قوة إرادة إلا رداً على الولايات المتحدة. يكشف استطلاع سريع حول تحركات الحزب الشيوعي الصيني في الفترة الأخيرة خطأ هذه الفكرة.
لنفكر مثلاً بإقدام الصين على قمع المعلومات المرتبطة بتفشي فيروس كورونا واضطهادها للأطباء والصحافيين الذين حاولوا تحذير العالم، ففي المرحلة اللاحقة، حاول الحزب الشيوعي الصيني إعطاء طابع بطولي لطريقة تعامله مع الوباء المستجد، حتى أن بكين فرضت عقوبات اقتصادية على أستراليا لأنها تجرأت على اقتراح إجراء تحقيق حول أصل الفيروس.
خارجياً، عمد الجيش الصيني في السنة الماضية إلى استهداف الجنود الهنود على طول حدود الهيمالايا، وتصادم مع مركب صيد فيتنامي وأغرقه في بحر الصين الجنوبي، وهدّد تايوان بطائراته القتالية وسفنه الحربية، وداخلياً، كثّف الحزب الشيوعي الصيني جهوده لتطوير دولته البوليسية المتطورة تكنولوجياً وتوسيع حملته القمعية ضد الحركة الديمقراطية المحاصرة في هونغ كونغ، وتابع حملة الإبادة الثقافية ضد جماعات الإيغور في “شينغيانغ”.
يجب أن تبدأ إدارة بايدن بمراجعة سياستها تجاه الصين عبر الاعتراف بأن الولايات المتحدة ليست السبب في عدائية الحزب الشيوعي الصيني وأن تلك العدائية ليست مجرّد مشكلة أميركية، بل يطرح هذا الحزب تهديداً على العالم الحر عموماً. بعبارة أخرى، لن تضطر الدول للاختيار بين واشنطن وبكين، بل بين السيادة والرضوخ.
تتعلق الفكرة المغلوطة الثانية بتخلي الولايات المتحدة عن التعاون الدولي لمجابهة عدائية الحزب الشيوعي الصيني وتطبيق مقاربة أميركية أحادية الجانب، لكن يعتبر إطار العمل الاستراتيجي التحالفات والشراكات عاملاً أساسياً ويشدد على أهمية تقاسم “رؤية مشتركة لتعزيز الحرية والانفتاح في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ”. توسّع نطاق التعاون منذ عام 2017، وقد اتّضح ذلك عبر تجديد صيغة التحالف الرباعي (بين الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة) وتنامي التعاون بين وكالات إنفاذ القانون والأوساط الاستخبارية ضد الحرب الإلكترونية وعمليات التجسس السيبراني التي تقوم بها الصين.
أخيراً، تتعلق الفكرة المغلوطة الثالثة باعتبار المنافسة بين الولايات المتحدة والصين خطيرة أو حتى غير مسؤولة بسبب “فخ ثيوسيديدز”: يُستعمَل هذا المصطلح للتعبير عن احتمال وقوع صراع بين قوة ناشئة (الصين) وقوة في طور التراجع (الولايات المتحدة). يستغل الحزب الشيوعي الصيني مفاهيم ذلك الفخ عبر لوم واشنطن على محاولة كبح مسار الصين، ووفق هذا السيناريو، لا تُعتبر بكين عدائية بل إنها تدافع عن الشعب الصيني بكل بساطة.
لتجنب هذا الفخ، يجب ألا تختار الولايات المتحدة أسلوب التصادم أو التأقلم الجامد، بل أن تسمح بالمنافسة الشفافة، كتلك التي تصفها الاستراتيجية الخاصة بمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وذلك بمنع تصعيد الوضع بلا مبرر، حتى أنها قد تعزز التعاون مع الصين بدل تجنّبه.
يجب أن تثق إدارة بايدن بقدرة العالم الحر على منافسة الحزب الشيوعي الصيني ونموذجه الاستبدادي المبني على جمع الثروات عن طريق التجارة. في السنة الماضية، واجهت الولايات المتحدة اختباراً صعباً بسبب تفشي الوباء والركود الاقتصادي والانقسامات الاجتماعية والصراعات السياسية، لكن أثبتت الجمهورية الأميركية قوة تحمّلها مجدداً وهي تستطيع أن تتعاون مع الشركاء للدفاع عن العالم الحرّ في وجه عدائية الحزب الشيوعي الصيني.
ترجمة: صحيفة “الاتحاد” الإماراتية